عنوان الفتوى : هل يفرق بين القرض الاستهلاكي والإنتاجي
الموضوع: القروض البنكية الفرق بين القرض الاستثماري والقرض الاستهلاكي أستسمحكم شيخنا الفاضل أن أتطرق بشيء من الإسهاب في شرح مسألة أراها في غاية الأهمية، والفصل فيها بقدر ما فيه من فائدة للمجتمع بأسره بقدر ما أراني ألح على حضرتكم أن ترشدونا إلى الطريق الصواب، لا أستطيع أن أقارن ما أعرفه عن الربا بعلمكم، لذلك أرجو أن لا تلوموا علي إن أخطأت شيئا ما في طرحي للمسألة من الجانب الديني، إلا أنني سأحرص أكثر على تبسيط الفكرة وإيصالها، وسأبقى تحت تصرفكم لمزيد من التفاصيل، هذه المسألة تتعلق بالقروض البنكية، والتي أرى فيها نوعين:القرض الاستثماري: أدرج في هذا الصنف: القرض من أجل اقتناء سكن، سيارة، آلة إنتاج، قطعة أرض (أكتفي بهذه الأمثلة)، في هذه الحالات يكون المقترض في البداية لا يملك السكن أو السيارة التي اقترض من أجلها، والتي يفترض عليه البنك رهنها من أجل ضمان تسديد باقي المبلغ، وإلا فإنه –في حالة عدم القدرة على التسديد- معرض في أقصى الحالات إلى خسارة السكن أو السيارة التي لم يستطع تسديدها (أكرر، التي لم يكن يملكها قبل القرض). القرض الاستهلاكي: أدرج في هذا الصنف: القرض من أجل ترميم أو تزيين سكن، رحلة، حفلة، شراء أثاث أو المصاريف اليومية، في هذه الحالات يكون المقترض في البداية يملك السكن أو السيارة أو شيئا ذا قيمة، يفترض عليه البنك رهنه من أجل ضمان تسديد الديون، وإلا فإنه –في حالة عدم القدرة على التسديد- معرض في أقصى الحالات إلى خسارة السكن أو السيارة التي كان يملكها قبل القرض، وهنا شيخنا الفاضل، لست أصنف أو أعرف الربا، أو أقول هذا حلال أو هذا حرام، بل إنني اصطدمت بقصص مما أذكر عن معلمينا في الابتدائي تصف الربا، تتحدث عن مسلم يملك مما رزقه الله من أرض ومسكن، كان في حاجة ماسة إلى المال، جاءه يهودي يقرضه مالا مقابل أن يرجعه إياه بالفائدة، ثم يثقل كاهله بالديون إلى أن يعجز المسلم عن تسديد ديونه فيصبح مجبرا على ترك بيته أو أرضه لليهودي. فجئتكم، شيخنا الفاضل، بخجل التلميذ أمام معلمه، وبجرأة المسلم الغيور على دينه ومجتمعه، والذي يريد أن يتقي ما استطاع من الحرام من جهة، ويريد التطور والتقدم والتنمية لأمته باستعمال كل ما هو حلال من جهة أخرى، جئتكم أسأل: ألا ترون فرقا بين النوعين من القرض الذي وصفت من قبل من ناحية المضرة والمنفعة التي قد تصيب المقترض، وبالتالي هل يصح تعريف القرض تعريفا مطلقا بأنه ربا، خاصة وأنه قد يصيبه من المضرة ما هو أقسى إذا لم يلجأ إلى البنك، وهنا أطرح على سبيل المثال مشكلة أحد أقربائي: محمد متزوج وله طفلان (6 و 3 سنوات)، يسكن عند أخيه عمر المتزوج وله ابن (17 سنة) في مسكن ذي ثلاث غرف، محمد يملك قطعة أرض مبنية بنسبة 60% تقريبا، لما استفتى في قضية اقتراض مبلغ لإكمال البناء قيل له: "لا يمكنك الاقتراض إلا إذا بلغك من الضر، على سبيل المثال أن يمطر عليك المطر أنت وعائلتك" هذا ما أراه مستحيلا وغير منطقي، بل وتعجيزي، إذ إنه لا يمكن أن يسلم الأخ في أخيه إلا إذا كان بينهما مشكل كبير، وتكون في هذه الحالة المضرة مضرتين، مضرة المطر ومضرة فساد ذات البين، إن ما دفعني إلى طرح هذه المسألة هو مشكلة السكن في الجزائر وما انجرت عليه من مشاكل عائلية كثيرة، حيث اعتمدت الدولة برنامجا خاصا من شأنه حل هذه الأزمة، والمرور فيه على البنك شبه إجباري، من جهة أخرى مشكلة البطالة، وهنا أيضا برنامج تشجيع الاستثمار برنامج واعد إلا أنه يعتمد هو الآخر على القرض الاستثماري، ولا أخفي أملي في أن يكون في هذا النوع من القرض ما يبعده في أصله عما حرم الله؟ وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه الخير والصلاح لهذه الأمة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا فرق بين القرض الاستهلاكي والقرض الإنتاجي في أن كلا منهما يحرم فيه الربا، وذلك لعموم الأدلة الدالة على تحريم الربا دون تفريق بين ما هو إنتاجي وما هو استهلاكي، كقول الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ {البقرة:275}، إلى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:278-279}، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. وفي مسلم أيضاً: فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء.
وفقه الحديث يبين أن أي زيادة على رأس المال ربا محرم ويستوي في الإثم واللعنة المقرض والمقترض، وعلى عدم التفريق بين القرض الاستهلاكي والانتاجي اتفق كبار علماء المسلمين المشتركين في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهر سنة 1384هـ الموافق 1965م، حيث أفتوا بأن: الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي والقرض الإنتاجي. وللمزيد من الفائدة حول ذلك راجع الفتوى رقم: 21628، والفتوى رقم: 24610.
وراجع فيما يتعلق بتعاطي القرض الربوي لأجل السكن أو لأجل حل مشكلة البطالة ونحو ذلك من الأسباب، الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6689، 6501، 56893، 4546، 29986، 25960.
والله أعلم.