عنوان الفتوى : شروط الصورة المقبولة شرعاً لسندات المقارضة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن البنوك والشركات الإسلامية وضعت بديلاً شرعياً لما يسمى بشهادات الاستثمار، هذا البديل هو سندات المقارضة. ونحسب أن شهادات الشهامة التي تصدرها البنوك بالسودان من هذا النوع، لعلمنا أن القانون في السودان يحظر الربا، ولكننا لا نجزم بشرعية هذا النوع من الشهادات لأن المسألة تحتاج إلى اطلاع كامل على شروط الاكتتاب فيها، ونحن نسوق لك قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن سندات المقارضة، وعليك أن تقارن بين القرار وهذه الشهادات.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع:
بعــد الاطلاع على الأبحاث المقدمة في الموضوع قرر ما ينبغي أن تكون عليه طبيعة صكوك المقارضة:
أولاً: سندات المقارضة هي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة، وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه. ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية (صكوك المقارضة).
ثانياً: الصورة المقبولة شرعاً لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:
العنصر الأول: أن يمثل الصك ملكية شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه وتمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته، وترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعاً للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث... وغيرها، مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.
العنصر الثاني: يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها نشرة الإصدار، وأن الإيجاب يعبر عنه (الاكتتاب) في هذه الصكوك، وأن القبول تعبر عنه موافقة الجهة المصدرية.
ولا بد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعاً في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار؛ على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.
العنصر الثالث: أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذوناً فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
أ- إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب، وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقوداً، فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد، وتطبق عليه أحكام الصرف.
ب- إذا أصبح مال القراض ديوناً تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.
ج- إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقاً للسعر المتراضى عليه؛ على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعياناً ومنافع.
أما إذا كان الغالب نقوداً أو ديوناً فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض في المجمع في الدورة القادمة.
وفي جميع الأحوال يتعين تسجيل التداول أصولياً في سجلات الجهة المصدرة.
العنصر الرابع: أنه من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب، أي عامل المضاربة، ولا يملك من المشروع إلا بمقدار ما يسهم به بشراء بعض الصكوك فهو رب مال بما أسهم به، بالإضافة إلى أن المضارب شريك في الربح، بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار، وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس.
وأن يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة لا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعي.
ثالثا: مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول يجوز تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية، وذلك وفقاً لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين، ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقاً لظروف السوق والمركز المالي للمشروع.
كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص على النحو المشار إليه.
رابعاً: لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.
خامساً: لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المقاوضة الصادر بناء عليه على نص يلزم بالبيع، ولو كان معلقاً أو مضافاً إلى المستقبل، وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعداً بالبيع. وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضا الطرفين.
سادساً: لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصاً يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح، فإن وقع كان العقد باطلاً، ويترتب على ذلك:
أ- عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو أصحاب المشروع في نشرة الإصدار وصكوك المقارضة الصادرة بناء عليها .
ب- إن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة، ويعرف مقدار الربح إما بالتنضيض (التحويل إلى نقد) أو بالتقويم للمشروع بالنقد. وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة وفقاً لشروط العقد.
ج- أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع، وأن يكون معلناً وتحت تصرف حملة الصكوك.
سابعاً: يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم، ولا يلزم إلا بالقسمة.
وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيراداً أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
ثامناً: ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة إما من حصة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.
تاسعاً: ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار أوصكوك المقارضة وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ يخصص لجبر الخسران في مشروع معين على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة؛ بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطاً في نفاذ العقد، وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزامهم بما يسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.
والله أعلم.