عنوان الفتوى : القول في دين الله بغير علم كبيرة، لكن تمحوها التوبة
تناقشت أنا وبعض الأصدقاء، فقلت لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشعر، وقلت: إن الشعراء بلا قصد. وعندما علمت أنني على خطأ تبت إلى الله.
فهل علي ذنب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطالما أنك تبت إلى الله تعالى من الكلام في دينه بغير علم، فلا شيء عليك -إن شاء الله- والله سبحانه وتعالى غفور رحيم، وهو يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات.
هذا، ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن الشِّعر مطلقًا، وإن كان قد نهى عن الإكثار منه، بحيث يُشغل عمَّا هو أنفع، كما روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ، إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا الشَّيْطَانَ، أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ. لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الشِّعْرُ غَالِبًا عَلَيْهِ، مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ، بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا مَذْمُومٌ مِنْ أَيِّ شِعْرٍ كَانَ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ، وَالْحَدِيثُ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ هُوَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ، فَلَا يَضُرُّ حِفْظُ الْيَسِيرِ مِنَ الشِّعْرِ مَعَ هَذَا؛ لِأَنَّ جَوْفَهُ لَيْسَ مُمْتَلِئًا شِعْرًا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ الشِّعْرِ مُطْلَقًا، قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا فُحْشَ فِيهِ. وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا الشَّيْطَانَ.
وَقَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً هُوَ مُبَاحٌ، مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُحْشٌ، وَنَحْوُهُ، قَالُوا: وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ، وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ.
وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَقَدْ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّعْرَ، وَاسْتَنْشَدَهُ، وَأَمَرَ بِهِ حَسَّانَ فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنْشَدَهُ أَصْحَابُهُ بِحَضْرَتِهِ فِي الْأَسْفَارِ، وَغَيْرِهَا، وَأَنْشَدَهُ الْخُلَفَاءُ، وَأَئِمَّةُ الصَّحَابَةِ، وَفُضَلَاءُ السَّلَفِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا الْمَذْمُومَ مِنْهُ، وَهُوَ الْفُحْشُ، وَنَحْوُهُ.
وَأَمَّا تَسْمِيَةُ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي سَمِعَهُ يَنْشُدُ شَيْطَانًا، فَلَعَلَّهُ كَانَ كَافِرًا، أَوْ كَانَ الشِّعْرُ هُوَ الْغَالِبُ عليه. اهـ.
وللفائدة انظر الفتوى: 259822.
والله أعلم.