عنوان الفتوى : حكم علماء السلاطين وحكم الرد عليهم وبيان ضلالهم
كثر في هذا الزمان العلماء الذين يفتون حسب أهواء السلطان، فيحرمون ما يضره, ويبيحون ما فيه مصلحته, متخذين من قاعده دفع الضرر حجة لهم, وينتقون من الآيات والأحاديث ما يتناسب مع مصالح سلاطينهم، متغاضين عن بقية الأدلة التي تتعارض معه؟ فما حكم الشرع فيهم؟ وهل نأثم إن أنكرنا عليهم ذلك؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أفتى بجهل أو عرف الحق وأفتى بخلافه، فهو على خطر عظيم، وإثم مبين، وعمله من أمر الشيطان الرجيم، قال تعالى: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) [البقرة] وهذا مما حرمه الله تعالى، كما قال سبحانه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الأعراف: 33).
واتباع العالم لهواه، والسير في هوى الخلق في مخالفة حكم الشرع، سواء الحاكم وغيره، مدعاة للفتنة والضلال، وعلماء السوء من شر خلق الله وأفسدهم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 175857, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقد سبق لنا بيان أصناف العلماء في الفتوى رقم: 184971, كما سبق لنا الكلام عن خطر مداهنة العلماء للسلاطين والتحذير من إتيان أبوابهم، وذلك في الفتوى رقم: 151561.
وأما بيان خطأ العالم - إن أخطأ - مع التزام أدب الرد فأمر مشروع بل مطلوب، وليس فيه ما يعاب عليه فاعله، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 11967.
هذا, مع التنبيه على أن الأصل في المسلم ـ فضلًا عن أهل العلم ـ هو السلامة، فمن الظلم والجور: اتهام الناس بغير بينة، وإساءة الظن بهم من غير حجة, ومن الجرم والبهتان رميهم بالتهم من غير برهان, قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58] وقال سبحانه: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء: 112].
والله أعلم.