عنوان الفتوى : إذا فسد عقد البيع لزم البائع رد ما أخذ من الثمن للمشتري حالا
قمت بدفع مقدم لشراء قطعة أرض، وتم الاتفاق على تقسيط باقي المبلغ على 3 أقساط، ولا يكتمل البيع إلا بعد إكمال سداد الأقساط. وفي حالة فشل السداد يتم إرجاع المبلغ المدفوع بعد بيع قطعة الأرض. ولكن وقعت الحرب وأصبح من المستحيل بيع الأرض، والمشتري فقد كل أمواله وأصبح في حاجة ماسة إلى المبلغ المدفوع كمقدم للبيع.
فما الحكم الشرعي إذا رفض صاحب الأرض إرجاع المبلغ، ولم يحدد مدة زمنية لإرجاع المبلغ، وطالب المشتري بالصبر حتى نهاية الحرب التي لا يعرف موعد لنهايتها، وقد يصبح بيع الأرض في غاية الصعوبة بعد توقف الحرب؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن الأقساط الثلاثة الباقية من ثمن الأرض لم تعين لها مدة. وإن كان كذلك؛ فالبيع بثمن إلى أجل مجهول باطل، لا يصح.
قال النووي في المجموع: اتفقوا على أنه لا يجوز البيع بثمن إلى أجل مجهول. انتهـى.
وراجع في ذلك الفتويين: 129296، 103685.
وإذا وقع العقد فاسدا فهو مفسوخ، ويلزم البائع رد ما أخذ من الثمن للمشتري حالا.
قال النووي في «روضة الطالبين»: إذا اشترى شيئا شراء فاسدا، إما لشرط فاسد، وإما لسبب آخر، ثم قبضه، لم يملكه بالقبض، ولا ينفذ تصرفه فيه، ويلزمه رده، وعليه مؤنة رده كالمغصوب. ولا يجوز حبسه لاسترداد الثمن. اهـ.
وقال الشربيني في حاشيته على «الغرر البهية»: (قوله: ولا يجوز حبسه) مثله البائع لا يجوز له حبس الثمن لاسترداد المبيع. اهـ.
وأما إن كان أجل الأقساط الثلاثة معلوما، فالعقد محل خلاف بين أهل العلم؛ لما فيه من تعليق فسخه على شرط نقد الثمن في مدة معينة.
وقد سبق لنا ذكر هذا الخلاف في الفتويين: 124360، 109844.
وإذا قلنا بفساد هذا البيع -كما هو مذهب الشافعية ومن وافقهم- فالحكم كما سبق.
وإذا قلنا بصحة البيع، ثم عجز المشتري عن نقد الثمن فُسِخ البيع بمقتضى الشرط، ووجب رد ما عُجِّل من الثمن، ولا وجه لتأخيره بعد الفسخ.
وأما تعليق ذلك على بيع الأرض واشتراط ذلك في العقد، فباطل لا يصح؛ لمخالفته لمقتضى الفسخ، ولكونه أجلا مجهولا، يوقع في الغرر والضرر، ولأن حبس المال بعد الفسخ فيه مضرة للمشتري ومنفعة للبائع بغير حق.
قال ابن القيم في «إعلام الموقعين»: هاهنا قضيتان كليتان من قضايا الشرع الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم:
إحداهما: أن كل شرط خالف حكم الله وناقض كتابه؛ فهو باطل كائنا ما كان.
والثانية: أن كل شرط لا يخالف حكمه ولا يناقض كتابه، وهو ما يجوز تركه وفعله بدون الشرط، فهو لازم بالشرط.
ولا يستثنى من هاتين القضيتين شيء، وقد دل عليهما كتاب الله وسنة رسوله، واتفاق الصحابة. اهـ.
والله أعلم.