عنوان الفتوى : موقف البنت إذا رفض أبوها تزويجها ممن ترغب فيه
أنا طبيبة بيطرية، أعمل في عيادة بجانب دراستي في الجامعة، وعمري 22 سنة.
تقدم لخطبتي طبيب زميلي في العيادة، وبالاعتماد على تعاملاتي معه في العيادة فهو ذو خلق، وهو متدين يصلي كل الصلوات في وقتها والنوافل، ويقرأ ورده. وأرى أمورا كثيرة مشتركة بيننا، ولكن والديَّ رفضاه؛ لأنهما يريانه غير لائق اجتماعيا، مع العلم بأن نمط حياته لا يختلف كثيرا عن نمط حياتي وفكري، وماديا يقدر على توفير مستوى معيشة متقارب من مستوى المعيشة الذي أعيشه الآن.
أنا أرى أنه لا بأس من أن أتزوج منه، وأهلي يرفضون، وأنا لا أعرف ماذا يجب أن أفعل؟ استخرت، واستشرت معارف كثيرين لي، وأغلبهم يرون أنه مناسب، علما بأن والده أستاذ بجامعة الأزهر، وإخوته أطباء ومهندسون. اعتراض أهلي على مكان معيشة أهله ونشأته. أنا أعلم أن نشأته مختلفة عني؛ لأن أهلي ميسورون بفضل الله، ولكن لا أرى ذلك سببا للرفض.
فهل يشترط الإسلام التوافق الاجتماعي للزواج؟
وإذا كان لا يشترطه. ماذا يجب أن أفعل فيما لا يخالف الدين؛ لأن الأمر جعلني بصراحة أحزن من أهلي، بالإضافة إلى أني أصلا لدي خلافات معهم، فوالدي دائما ما يتشاجر معي بخصوص أمور لا يمكنني تغييرها، أو أشاء أساسا شخصية مثل إضاءة غرفتي، أو أنني أحب أن آكل الطعام وهو بارد، أو أنني حينما أنسجم في سرد موقف يعلو صوتي أثناء السرد لهم، بدون إهانة طبعا، فقط انفعال … إلخ، تبدو مشاكل تافهة، ولكن والدي دائما ما يحولها إلى مشاكل كبيرة، ويقول إني إنسانة بشعة لهذه الأمور.
فماذا أفعل بأمر هذه الخطبة التي أتمنى أن تتم؟ وإذا كان ليس بيدي أمر إلا أن أرضى بقرار والداي، كيف أهون على نفسي الأمر؟
زدت ركعات قيام الليل، وزدت الورد، ولكني لا زلت مهمومة من هذا الأمر.
ولقد حاولت عماتي إقناع والدي بمقابلته؛ لأن والدي يرفض حتى مقابلته، ولكن لا جدوى.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالراجح عندنا أن المعتبر في الكفاءة بين الزوجين هو الدين وحده، وانظري الفتوى: 19166
لكن اعتبار التقارب بين الزوجين في الأمور الأخرى، أمر مطلوب، فهو أدعى لتقارب الطباع بين الزوجين، ويسر التفاهم، واستقامة الحال بينهما.
أمّا التفاوت اليسير في الجوانب الاجتماعية أو المالية، ونحوها؛ فلا ينبغي أن يكون مانعًا من القبول.
وإذا تقدمّ للمرأة كفؤها، ورضيت به؛ فلا حق لوليها في منعها من زواجه.
وإذا منعها من زواجه تَعَنُّتًا كان عاضِلًا لها، ومن حقها حينئذ رفع الأمر للقاضي؛ ليزوجها، أو يأمر وليّها بتزويجها. وانظري الفتوى: 309898
لكن ننبه إلى أنّ الأب في الغالب أحرص الناس على اختيار الزوج الصالح لابنته، وتحصيل مصالحها في الزواج وغيره؛ لما له من الخبرة والدراية، مع ما فطره الله عليه من الشفقة عليها.
فالذي نوصيك به أن تجتهدي في إقناع والدك بقبول هذا الخاطب، وتستعيني على ذلك ببعض العقلاء من الأقارب، أو غيرهم من أهل الدين والمروءة، ممن يقبل أبوك قولهم.
فإن أصرَّ والدك على رفض هذا الخاطب، فالأولى أن تنصرفي عنه، وتستعيني بالله -تعالى-، وتكثري من دعائه؛ فإنّه قريب مجيب، ولعل الله يعوضك خيرا منه، إلا إذا كان عليك ضرر في ترك الزواج منه، فلك أن تتزوجي عن طريق من له ولاية تزويجك بعد أبيك؛ كأخيك، أو عمّك، حسب الترتيب الذي بيناه في الفتوى: 32427
وعلى أية حال؛ فإنّ عليك برّ أبيك؛ فحقه عليك عظيم، ومعاملة الوالد تكون بالأدب والتوقير والتواضع وإلانة الكلام، ولا يجوز رفع الصوت عليه، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23- 24}.
والله أعلم.