عنوان الفتوى : آداب نصح الأم والأخوات اللاتي يفعلن أفعالا مخالفة للشرع
أنا أخ لثلاثة أخوات، وأم، وقد توفي والدي منذ خمس سنوات.
في صغري كانت أختي الصغيرة تخرج من المنزل بالبنطال القصير الضيق الذي يظهر فوق الكعب بقليل، وكنت أنصحها وأنصح أمي، ولكن بلا فائدة؛ لأن أمي تقول إنها طالما رأتها وهي خارجة من المنزل ورضيت عنها، فيجب علي أن أرضى عنها أيضا، احتراما لقرار أمي.
وبعد عشر سنوات ما زال الحال على ما هو عليه، أختي الصغيرة أصبحت تضع المكياج، وما زالت ترتدي الملابس الضيقة، مع عدم مبالاة أمي بهذا الموضوع أساسا، بل تفرح أيضا؛ لأن ابنتها جميلة، ومع زيادة نصحي لأختي الصغيرة فقد أحسست منها ميلا للحجاب الكامل، ولكنها تعتقد أنها ينبغي أن تأخذ الموضوع بتروٍّ، وألا تستعجل في هذه المسألة؛ لأنها تريد أن ترتدي الحجاب ولا يشوبها شائبة؛ لأنها تسمع الأغاني وتشاهد الأفلام، وغير حافظة للقرآن. فتريد أن تستقبل الحجاب علي طهارة كاملة. هذا الحال مع أختي الصغيرة.
أما أختي الكبيرة فقد كنت أظن أن المشكلة في ملابسها وتبرجها فقط، إلى أن جاء موعد خطبتها الأولى، فعندما نزلت سلمت على ابن خالتي وقبلته، وهو قد جاء وسيطا للخطبة، وهو لم يرضع من أمي. وعندما عاتبت أختي بالعين، استنكرت عتابي، وقامت لتقبله مرة أخرى، وتقول: هو أخي، ومرة أخرى حين أمسكت هاتفها لأتصل بوالدتي رأيت رسالة من رجل؛ ففتحتها من باب الفضول؛ فرأيت أنها تكلمه، وتمازحه مزاحا غير فاحش. وعندما سألتها قالت إنه صديقي، وإني أتحدث مع أصدقائي الرجال طالما كان الحديث بأدب. وعندما عاتبت أمي قالت لي: اترك أخواتك وشأنهن.
أما أختي الوسطى فموقفها مثل موقفي، وترى أن ما تفعله أخواتي خطأ، ولكن تقول إن كل الناس يفعلون هذا.
أما أمي فتذهب إلى العمل المختلط بالرجال والنساء، وتتحدث مع الرجال، والرجال يتصلون عليها على الهاتف، فترد في حدود الاحترام. ولكني غيور بشدة على أخواتي وأمي.
هناك معطيات أخرى قبل أن أسأل سؤالي:
1- أمي تحافظ على كل الصلوات، وعلى صلاة الفجر خاصة، وكثيرة قيام الليل، والدعاء والتضرع لله، والدعاء لنا.
2- أخواتي أشهد لهن بخلقهن واحترامهن، وتدينهن، ومواظبتهن على الصلاة.
3- أنا عندما أختلي بمحارم الله أنتهكها، وكثير السماع للموسيقى، وأدعو الله أن يهديني، ولكني غيور للغاية.
4- أخبرت أمي أنه إذا حدث عرس لأختي وشغلت الموسيقى، وكان العرس مختلطا فلن أحضره، فقالت: إن لم تحضر عرس أختك، فأنا بريئة منك.
فما الواجب علي اتجاه أخواتي وأمي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على غيرتك على عرضك، وعلى حرمات الله تعالى، فهذا من شأن المؤمن.
فنسأله -سبحانه- أن يجزيك خيرا، ويتوب عليك فيما ذكرت من انتهاكك لحرمات الله في الخلوة، وكثرة سماع الموسيقى، وندعوك إلى المبادرة إلى التوبة النصوح.
وراجع الفتوى: 79528، والفتوى: 29785.
ولنبدأ بالكلام عن أمك، فإنك قد ذكرت عنها جملة من الصفات الحسنة، فينبغي أن تتخذ ذلك مدخلا في كلامك معها، وبذل النصح لها فيما قد يصدر عنها من أقوال، أو أفعال مخالفة للشرع.
وليكن نصحك لها بمزيد من الأدب، فإن انتفعت بنصحك، فالحمد لله، وإلا فدعها، فالوالدان ليسا كغيرهما.
جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فَصْلٌ فِي أَمْرِ الْوَالِدَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيِهِمَا عَن الْمُنْكَرِ:
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: يَأْمُرُ أَبَوَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَن الْمُنْكَرِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلَا إسَاءَةٍ، وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَإِلَّا تَرَكَهُ. وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ. انتهى.
وما قلناه عن أمك نقوله عن أخواتك، اجعل ما ذكرت عنهن من صفات طيبة مدخلا لنصحهن برفق ولين، وتذكيرهن بالله -عز وجل- وأن الواجب المبادرة للتوبة، والالتزام بالحجاب، واجتناب كل ما يدعو للفتنة، وتذكيرهن كذلك بأن الموت يأتي فجأة، وأن الله -سبحانه- قال: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ {الزمر53- 55}.
ومن انتفعت منهن بالنصح، فذاك، وإن استمرت في غيها فيمكنك هجرها إن رجوت أن يكون الهجر سببا لصلاحها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوَّتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم. فإنَّ المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامَّة عن مثل حاله؛ فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشَّرِّ وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشَّرّ، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف. انتهى. ولا تنس أن تكثر من الدعاء لهن بالهداية.
وننبه إلى بعض الأمور:
الأول: أن الحجاب فريضة على المرأة المسلمة، فالواجب المبادرة إليه، ولا يجوز التسويف فيه. والواجب التوبة من جميع المعاصي، ولا يشترط للتوبة من إحداها التوبة من الأخرى.
الثاني: لا يجوز للابن أن يرتضي المنكر الذي فعلته أخته ولو ارتضته أمه، فليس ذلك من البر في شيء، ولا يجوز أن يطاع المخلوق في معصية الله -تبارك وتعالى- بما في ذلك الوالدان.
الثالث: أن ابن الخالة أجنبي، فلا يجوز للمرأة اعتباره كالمحرم، بل تعامله كأجنبي، وتجتنب معه كل ما لا يجوز، ويدعو للفتنة من التقبيل ونحوه.
والله أعلم.