عنوان الفتوى : من الأساليب المشروعة لإقامة الحجة على المخالفين
هل يجوز القول لنصراني: إذا كان ديني صحيحا ستصبح مسلما. وإذا أثبت لي أن دينك صحيح، سأصبح نصرانيا؟
المقصد مثل المساومة على الدين، وجعله تحت محل الاختيار.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أنه لا يسوغ للمسلم أن يقول مثل هذه العبارة على سبيل الشك، والارتياب في الدين.
وأما قول مثل هذه العبارات في مقام المحاججة والمجادلة على سبيل التنزل للخصم، والتلطف به واستدراجه للإقرار بالحق؛ فهو من الأساليب المشروعة لإقامة الحجة على المخالفين.
قال تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {سبأ: 24}، وقال تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ {الزخرف: 81}.
جاء في «فتح القدير للشوكاني»: قيل المعنى: قل يا محمد: إن ثبت لله ولد، فأنا أول من يعبد هذا الولد الذي تزعمون ثبوته، ولكنه يستحيل أن يكون له ولد.
وفيه نفي للولد على أبلغ وجه، وأتم عبارة، وأحسن أسلوب.
وهذا هو الظاهر من النظم القرآني، ومن هذا القبيل قوله تعالى: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين .
ومثل هذا قول الرجل لمن يناظره: إن ثبت ما تقوله بالدليل، فأنا أول من يعتقد ويقول به. اهـ.
وفي «الموافقات» للشاطبي: «الأدب في المناظرة أن لا يفاجئ بالرد كفاحا دون التقاضي بالمجاملة والمسامحة، كما في قوله تعالى: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} [سبأ: 24] . وقوله: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} [الزخرف: 81] . {قل إن افتريته فعلي إجرامي} [هود: 35]». اهـ.
وفي البرهان في علوم القرآن للزركشي: إخراج الكلام مخرج الشك في اللفظ دون الحقيقة لضرب من المسامحة، وحسم العناد.
كقوله: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}، وهو يعلم أنه على الهدى وأنهم على الضلال. لكنه أخرج الكلام مخرج الشك تقاضيا ومسامحة، ولا شك عنده ولا ارتياب.
وقوله: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}. اهـ.
والله أعلم.