عنوان الفتوى : البيع مع تأجيل الثمن والمثمن
هل يصح البيع بتأجيل الثمن، والمثمن؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتأجيل الثمن والمثمن له صور، منها: بيع سلعة موصوفة في الذمة بثمن مؤجل، وهو ما يعرف عند بعض الفقهاء بمسألة ابتداء الدين بالدين.
قال زروق في شرحه على الرسالة: وحقيقته: بيع شيء في ذمته، بشيء في ذمة أخرى، غير سابق تقرر أحدهما على الآخر، وهو معني قولهم: ابتداء الدين بالدين... وأما ما تقدم فيه تقرر الذمة، فيسمى فسخ الدين في الدين، ويدخل في الدين بالدين ثلاثة أوجه: ابتداء الدين بالدين، وهو قد تقدم تفسيره، ومنعه بالإجماع، وبيع الدين بالدين، وهو محرم بالسنة المجمع على إعمالها، وله صور، وفسخ الدين بالدين في الدين؟ وهو محرم بالقرآن، لدخوله في ربا الجاهلية. انتهى.
وعلى هذا؛ فلا يجوز بيع سلعة موصوفة في الذمة بثمن مؤجل، إلا أن المالكية استثنوا الأجل اليسير كاليوم واليومين والثلاثة.
جاء في شرح مختصر خليل للخرشي في معرض بيانه لبعض أنواع البيوع المحرمة: ثم يلي ما مر ابتداء الدين بالدين؛ كتأخير رأس مال السلم، فإنه أوسع مما قبله، لأنه يجوز تأخيره اليومين والثلاثة، ولو بالشرط. انتهى.
ومن صور تأجيل الثمن والمثمن: بيع سلعة معينة كهذا الثوب -مثلا- بثمن مؤجل، مع تأجيل قبض السلعة أيضا، وحكم هذه الصورة هو أنه إن لم تكن السلعة من الأصناف الربوية، التي يشترط فيها القبض، فيصح تأجيل تسليمها، إذا لم يشترط ذلك في العقد.
جاء في الجامع لمسائل المدونة: قال ابن القاسم: وأما إن ابتعت ثوبًا بعينه بدينار إلى أجل، فتأخر قبض الثوب، فلك قبضه، والبيع تام، وليس للبائع حبسه بالثمن؛ لأنه مؤجل، وليس كتأخير ما تأخذ في دينك. اهـ.
وقال ابن أبي العز الحنفي في التنبيه على مشكلات الهداية: حديث جمل جابر يدل على جواز تأجيل قبض المبيع المعين. اهـ.
ووجه الاستدلال بحديث جابر: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- اشترى بعير جابر، ولم يستلم المبيع، ولم يستلم جابر الثمن، ومع ذلك كان هذا البيع صحيحًا، فدل على أن تأجيل الثمن والمثمن لا حرج فيه، إذا كان أحدهما معينًا، وكان للعاقد غرض صحيح في التأجيل، ولم يكن القبض شرطًا في صحة البيع.
وذهب الحنابلة إلى صحة اشتراط البائع منفعة المبيع مدة معلومة، وهذا يقتضي تأجيل تسليم المبيع.
قال ابن قدامة في المغني: يصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة، مثل أن يبيع دارا، ويستثني سكناها شهرا، أو جملا، ويشترط ظهره إلى مكان معلوم... نص على هذا أحمد... وقال الشافعي، وأصحاب الرأي: لا يصح الشرط؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع وشرط، ولأنه ينافي مقتضى البيع.. ولنا ما روى جابر: أنه باع النبي -صلى الله عليه وسلم- جملا، واشترط ظهره إلى المدينة... اهـ.
ومما اختُلف فيه أيضا ما يكون من تأجيل الثمن والمثمن في عقود التوريد، وقد سبق لنا بيانه في الفتوى: 384811.
ولمزيد من الفائدة ننصحك بمراجعة العدد الحادي عشر من: مجلة مجمع الفقه الإسلامي؛ ففيه ستة أبحاث تتعلق ببيع الديون.
والله أعلم.