عنوان الفتوى : مصاحبة غير المسلم وزيارته وحبّه لما يقدمه من معروف
ما حكم حبّ الرجل من أهل الكتاب لسبب واحد فقط، وهو عدم رؤية أي شر منه؟ فهو يساعدني عند الحاجة، ويعاملني باحترام، وقد قرأت في عدة فتاوى أنه يجوز للمسلم التعامل مع أهل الكتاب، ولكن لا يجوز له مصاحبتهم؛ خوفًا من الرضا عن دينهم، فهل الحكم هنا بالتحريم أم الكراهة؟ فإذا عرفت شخصًا من أهل الكتاب، ولأنني لا أرى منه إلا الخير، أحببته، ولكني أبغِض معتقده، ومهما رأيت منه من الخير؛ فلن أقبل شركه، أي أنني متأكد أنني لن أرضى عن دينه، ولكنني أعامله على ما أراه منه فقط؛ ولذلك أحبّه فقط؛ فهل هذا حرام، أم مكروه؟ ولو كان مكروهًا، فهل تزول الكراهة إذا أمنت على نفسي عدم الرضا عن دِينه؟ وإذا كان المسلم متزوجًا من نصرانية، ويحبّها، ليس لأنها زوجته أمّ أولاده وبناته فقط، بل لأنه يرى أنها طيبة ومحترمة، وتعامله باحترام وإحسان؛ ولذلك أحبّها جدًّا، وقلبه يميل إليها، ولكنه لا يوافقها في شركها، فهل هذا مكروه أم حرام؟
أنا أحبّ دِيني، ولا أرضى إلا به، لكني أفكّر في هذا الموضوع، وأخاف أن أكون مذنبًا، ولكني لا أستطيع إجبار نفسي على بغض أهل الكتاب بشكل عام، ولكني أبغضهم في دِينهم بشكل خاص، وهل مجالسة الذميّ أو مصاحبته مكروهة أم حرام؟ مع العلم أنني لا أطلعه على أسراري، ولا أدعوه إلى بيتي إلا في غياب زوجتي، وبناتي، فنجلس ونتحدّث عن العمل، أو أي أمر آخر من أمور الحياة، وعندما أكون معه لا يشرب خمرًا، ولا يقوم بفعل سيئ، بل إنني أنصحه، وأحاول جذبه للإسلام من وقت لآخر بطريقة غير مباشرة من خلال بعض أفعالي، وأقوالي.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمفتاح الجواب هو التفريق بين المحبة الدِّينية، والمحبة الجبلية، أو التفريق بين محبة غير المسلم لأجل دِينه وما هو عليه من الباطل، وبين محبته لسبب خاص -كعلاقة القرابة، أو الزواج، أو حسن المعاملة، أو لما يقدمه من علم، أو نفع للناس-.
فهذه المحبة لا تحرم، كما أنها لا تتعارض مع البغض لهم في الدِّين، والبراء من كفرهم. وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى التاليلية أرقامها: 161841، 219466، 151751، 161247.
وأما مسألة التزاور، أو مصاحبة غير المسلم، فلا تحرم إذا لم تجرّ إلى معصية، ولم يكن فيها تعدٍّ لحكم شرعي، ويبقى أن الأفضل هو مصاحبة المؤمنين، ومزاورة الصالحين، وراجع في ذلك الفتويين التاليتين: 115345، 113427.
والله أعلم.