عنوان الفتوى : أحكام العزوف عن الزواج

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

أنا شاب أبلغ من العمر 35 عامًا، شهادتي بكالوريوس، محافظ على صلاتي، بار بوالديّ، لم أجد وظيفة حكومية، أو في شركات براتب يضمن لي العيش بحياة كريمة، أو يسد حاجتي، أو يعفيني من سؤال الناس. لأن البلد الذي أعيش فيه، وهو بلد عربي يعاني من البطالة، ونقص في الوظائف، وتوجد وظائف أخرى، لكن لم يتم نشر ثقافة العمل الحر.
مثال على ذلك: صيانة السيارات، وغسيلها، وكيّ الملابس، وبناء البيوت، والحلاقة، وجيمع الوظائف التي أنا أعمل فيها براتب 2000 ريال فقط. وليس لديّ الخبرة في أيّ عمل آخر، وأنا نفسيتي سيئة جدا؛ لأن قطار العمر فاتني، وجميع أصدقائي توظفوا، وتزوجوا، ولم يعد أحد منهم يتواصل معي.
انشغلوا في حياتهم إلا أنا، بقيت وحيدا، لم أجد عملا إلا عملا براتب ضعيف، لا يكفي للزواج، أو شراء مركبة، أو الصرف على الأبناء، ولا أريد أن أتزوج، وأُعَيِّش أولادي وزوجتي في شقاء، فضلًا عن تكاليف الزواج، وتكاليف السفر.
فهل لو عشت حياتي وحيدا، عازفا عن الزواج، مجبرا على تركه؛ أأثم على ذلك؟ وهل ما حصل لي قضاء وقدر؟ وهل أنا شقي أم سعيد؟ لأني بدأت أفكر في أن الله خذلني، ولم يرزقني، وأصبحت أفكر في الانتحار. إضافة إلى ذلك أبي يضايقني منذ أن تخرجت بأنني إنسان فاشل، وأن الله ابتلاه بي، وأنني فيَّ وفيَّ .... إلى آخره من التنمر، والسب، والشتم، ويتهمني بعقوقه، حاشا وكلا، بل بررت به.
والآن الظروف أجبرتني على أكون وحيدا. فهل أكمل حياتي براتبي هذا الذي يكفيني، و يغنيني عن سؤال الناس، وأعتبر الذي حصل لي حصل لكل الشباب؟ وهل لديكم توجيه ونصائح لي؟ لأني من كثرة المشاكل التي حصلت لي، وأثَّرت على نفسيتي أصبحت لا أحسن التدبير.
أرجوكم ساعدوني، فأنا أكتب لكم، وأنا أبكي، فقد ضاقتي بي الدنيا.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا إثم عليك إذا لم تتزوج بسبب عدم استطاعتك الزواج؛ فالتكليف منوط بالقدرة، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا يكلف نفسا إلا ما آتاها، وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- السبيل لمن عجز عن الزواج، ففي صحيح البخاري عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- شبابا لا نجد شيئا، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا معشر الشباب، من استطاع الباءة، فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء.

وأمّا إذا قدرت على الزواج، وكنت تخشى الوقوع في الحرام؛ فلا يسعك في هذه الحال ترك الزواج.

قال البهوتي -رحمه الله-: وَيَجِبُ النِّكَاحُ بِنَذْرٍ، وَ عَلَى مَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ زِنًا، وَقَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ ظَنًّا ...... لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ، وَصَرْفهَا عَنْ الْحَرَامِ، وَطَرِيقُهُ النِّكَاح. انتهى.

ولا ريب في أنّ كل ما يجري للعبد؛ فهو من أقدار الله تعالى التي يجريها بحكمته البالغة، ورحمته الواسعة، فهو -سبحانه وتعالى- أعلم بمصالح العبد من نفسه، وأرحم به من أبيه وأمه.

وما يصيب العبد من مصيبة إلا بسبب من عند نفسه، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]

وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدْ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.

قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. انتهى.

فبادر بالتوبة إلى الله تعالى توبة عامة صادقة، وأقبل على ربك، واجتهد في طاعته، ومن أعظم أبواب الطاعة برّ الوالدين، فاحرص على برّ أبيك، والإحسان إليه، واسترضائه، فإنّ ذلك من أسباب رضوان الله، وتوفيقه لك في كل أمورك.

واجتهد في تعلّم ما ينفعك في أمور دينك، وفي أمور معاشك، واستعن بالله، ولا تعجز، واطرق أبواب الكسب الحلال، وخذ بأسباب تحصيله، وتوكل على الله تعالى، وأبشر بعدها بكل خير، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق: 2ـ3}.

وننصحك بالبحث عن زوجة ترضى بحالك، ولن تعدمها -بإذن الله تعالى-، فلعلها تكون فاتحة خير عليك، فالزواج من أسباب الرزق.

والله أعلم.