عنوان الفتوى : هل للمرأة رفضُ الزواج خوفا من عدم القيام بحقوق الزوج؟
أنا فتاة كبيرة. كنت أرفض الزواج، ولا أقابل الخُطاب أبدا؛ لأني أشعر أني لا أستطيع تحمل مسؤولية بيت، وزوج، وأولاد.
ولكني كنت أترك الموضوع للظروف، وأقول: ربما في المستقبل يتغير موقفي، وأشعر أني بحاجة إلى رجل بجانبي في هذه الحياة، وأتزوج.
ولكن بعد ما قرأت عن حقوق الزوج الكبيرة، والعظيمة في الإسلام، وصلاحياته الهائلة، حيث إنه يحق له أن يحبس زوجته في البيت، وأن يمنعها حتى من زيارة أقرب الناس إليها كوالديها؛ لمجرد توهمه بأنهما يفسدانها عليه، وأنها إن لم تطعه ستدخل النار؛ زاد تمسكي بموقفي، وقررت عدم الزواج نهائيا؛ حتى لا أُفتن في ديني.
فهل أنا آثمة بذلك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا إثم عليك في ترك الزواج إن كنت لا تخشين الوقوع في الحرام.
أمّا إذا كنت تخشين الوقوع في الحرام؛ فلا يجوز لك الإعراض عن الزواج -إن تيسر لك-.
قال البهوتي -رحمه الله-: وَيَجِبُ النِّكَاحُ بِنَذْرٍ، وَعَلَى مَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ زِنًا، وَقَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ ظَنًّا، مِنْ رَجُلٍ، وَامْرَأَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ، وَصَرْفِهَا عَنْ الْحَرَامِ، وَطَرِيقُهُ النِّكَاحِ. انتهى.
وعلى أية حال، فلا ينبغي لك العزوف عن الزواج، فالزواج مندوب إليه شرعاً؛ لما يشتمل عليه من مصالح عظيمة.
ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي، فليس مني ...
وقال الإمام أحمد -رحمه الله- في رواية المروذي: ليست العزوبة من الإسلام. انتهى من الإنصاف للمرداوي.
وقال العيني -رحمه الله- في عمدة القاري شرح صحيح البخاري: فإن النكاح سنة الأنبياء، والمرسلين، وفيه تحصيل نصف الدين، وقد تواترت الأخبار، والآثار في توعد من رغب عنه، وتحريض من رغب فيه. انتهى.
وما ذكرت من إعراضك عن الزواج بسبب خوفك من المسؤولية الكبيرة، والحقوق الكثيرة للزوج على زوجته؛ فهو غير سائغ؛ فالزوج أيضا عليه مسؤولية كبيرة، والزوجة لها حقوق كثيرة، وكل الناس مسؤول، تزوج، أم لم يتزوج.
ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها، وولده، وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.
والمسؤوليات، والواجبات يقابلها حقوق، ومنافع، وقِوامة الزوج على زوجته ليست تسلطا، أو تجبرا، وتضييقا عليها، وإنما القوامة تعني رعاية المصالح الدينية، والدنيوية، وتقتضي الرحمة، والإحسان.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ {البقرة:228}: وقال ابن عباس: الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة، والتوسع للنساء في المال، والخلق، أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه. قال ابن عطية: وهذا قول حسن بارع. انتهى.
والأصل في علاقة الزوجين التواد، والتراحم، قال تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً {الروم:21}.
قال ابن كثير -رحمه الله-: فلا ألفة بين روحين، أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ...انتهى. من تفسير ابن كثير.
فنصيحتنا لك إذا تقدم إليك من تَرضين دينه، وخُلقه، ألا تمتنعي من قبوله؛ للأسباب التي ذكرتِ.
والله أعلم.