عنوان الفتوى : هل يتعارض رفع الحرج عن المكلفين مع عدم قدرة بعضهم على الزواج؟
أنا شاب عزب، أذوق العذاب يوميًّا؛ لأنني أفتقد من يشبع عاطفتي، قد تظنون أنني أعترض على الله، ولكن سؤالي للاستفهام، وليطمئن قلبي، لا للاعتراض.
السؤال: لم يجعل الله علينا في الدين من حرج، ولكن في زمننا الآن لا أستطيع الزواج؛ لقلة المال. أنا أجد الحرج الشديد، والعذاب اليومي. كيف أوفق بين شعوري بالحرج، وتسليمي لقول الله -جل وعلا- أنه لم يجعل عليَّ في الدين من حرج؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لك العون، وأن يصلح أمورك، واعلم أن الدنيا دار ابتلاء بالخير والشر، فقد يجد فيها الشخص ما يحبه، وقد لا يجده. فقد قال الله -تعالى-: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء: 35}.
وعلى المسلم أن يستحضر أنها حياة قليلة، ستنتهي متاعبها بعد قليل عند الموت، وأن يحرص على التمسك فيها بطاعة الله، والصبر على أقدار الله في هذه الفترة الوجيزة، حتى يسعد في الحياة الأبدية الأخروية، وينسى جميع نكد الدنيا، وضيقها، فقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له يا ابن آدم: هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مرّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مرّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم.
واعلم أن الحرج المذكور في قول الله -تعالى-: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:6}، لا يعنى به عدم وجود نكد في الدنيا، ولا مشقة، وإنما يعنى به التيسير على العباد عند حصول المشقة، والضرر، فيرخص لهم، ويخفف عليهم. قال -تعالى- : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {البقرة:185}،
قال ابن كثير: قوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} أي: فلهذا سهل عليكم، ويسر، ولم يعسر، بل أباح التيمم عند المرض، وعند فقد الماء، توسعة عليكم، ورحمة بكم، وجعله في حق من شرع الله يقوم مقام الماء، إلا من بعض الوجوه.. وقوله: {ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}، أي: لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة، والرأفة، والرحمة، والتسهيل، والسماحة. اهـ.
وقال ابن الجوزي في (زاد المسير): «الحرج»: الضيق، فجعل الله الدين واسعًا حين رخّص في التيمم، قوله -تعالى-: {وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}، أي: يريد أن يطهركم. قال مقاتل: من الأحداث، والجنابة، وقال غيره: من الذنوب والخطايا؛ لأن الوضوء يكفر الذنوب. .... اهـ.
وننصحك بالسعي في التكسب بقدر استطاعتك، وبالسعي في الزواج؛ لعل الله ييسره لك، واستعن قبل تحقق ذلك بالصوم، وشغل القلب بالتفكر في نعم الله، وأيام الله، وفي قصص الأنبياء، وسير السلف الصالح، وانظر في حال من هم دونك من المبتلين بأنواع البلاء، ففي الحديث: انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم، وأحمد، وغيرهما.
فهناك من ابتلي في بدنه بلاء لا يستطيع معه النوم، وهناك من تعطلت كليتاه، فيحتاج إلى الغسيل الكلوي دوريًّا، وهناك من شُلَّت قدماه، ويداه، فلا يستطيع الحركة، إلا بمساعد، وهناك من أصيب بالعمى، وهناك من أصيب بالجذام، وتساقط لحمه، وقذره الناس، وفروا منه، حتى لا تصيبهم العدوى، وهناك من جُنَّ، وضحك منه الصبيان، وطاردوه في الشوارع، ورموه بالحجارة، فتذكر نعم الله عليك، وسيزيد شعورك بها، إذا قارنت نفسك بمن هو أشد بلاء منك، وبمن هو أدون منك في أمور الدنيا.
والله أعلم.