عنوان الفتوى : حكم رجعة المرتد إلى زوجته إن عاد إلى الإسلام قبل أو بعد انتهاء العدة
سمعت من فضيلة الشيخ أن الذي يكفر بالله، ينفسخ عقد زواجه إذا لم يتب أثناء العدة. وثلاثة أرباع المسلمين يتلفظون بألفاظ الكفر، ولا يعرفون حكمها، وتنتهي العدة، ولكنهم يؤمنون بالله وبرسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
قرأت رأيا لبعض العلماء أنه لما ارتد الناس وعادوا إلى الإسلام، لم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه، وعلى آله، وسلم بتجديد العقد، حتى إن كثيرا منهم عادوا إلى الإسلام بعد سنة، أي بعد انقضاء العدة، ولم يأمرهم رسول الله بتجديد العقد، وأعادهم إلى أزواجهم.
وهل نعيش مع أزواجنا الآن بالحرام، أم إذا تابوا بعد سنين يغفر الله لهم زلاتهم؟
وسوف أنقل نص قول للعلماء؛ ليطلع عليه الشيخ.
قال ابن القيم: ... وكانت سنته (أي الرسول صلى الله عليه وسلم) أنه يجمع بين الزوجين إذا أسلم أحدهما قبل الآخر، وتراضيا ببقائهما على النكاح لا يفرق بينهما، ولا يحوجهما إلى عقد جديد ........... وأيهما أسلم في العدة أو بعدها، فالنكاح بحاله.
وقال: ...أيضا القول بتعجيل الفرقة فيها، خلاف المعلوم من سنة رسول الله وسنة خلفائه الراشدين، فقد ارتد على عهدهم خلق كثير، ومنهم من لم ترتد امرأته، ثم عادوا إلى الإسلام وعادت إليهم نساؤهم، وما عرف أن أحدا منهم أمر أن يجدد عقد نكاحه، مع العلم بأن منهم من عاد إلى الإسلام بعد مدة أكثر من مدة العدة، ومع العلم بأن كثيرا من نسائهم لم ترتد، ولم يستفصل رسول الله ولا خلفاؤه أحدا من أهل الردة هل عاد إلى الإسلام بعد انقضاء العدة أم قبلها ... أحكام أهل الذمة.
هذا نص قوله. ورحمة الله واسعة.
هل يجوز لنا ألا نجدد عقد النكاح، ونأخذ بقول ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن زوجي لا يقبل هذا الكلام، ويقول نحن نؤمن برسول الله، وبالله -سبحانه وتعالى-
هل إذا تاب زوجي بعد العدة يكون عقد زواجنا صحيحا؛ لأن مليار مسلم تقريبا يتلفظون بألفاظ الكفر وما زالوا على زوجاتهم؟
يعني إذا انتهت العدة وتاب. هل يجوز لنا الأخذ بالرأي الذي لا يوقع الكفر؛ لأنه عندما يتلفظ بلفظ الكفر، بعد أيام أو أشهر يذكر الله ويستغفر؟
وإذا حكمنا بفسخ عقد النكاح، يوجد 400 ألف مسلم يكفرون، وزوجاتهم حرام عليهم.
هل إذا أخذنا بفتوى عدم وقوع الفسخ علينا شيء؛ لأنه لا يقبل أن يجدد العقد، وأنا كثيرة الوسواس وتعبت؟
وهل إذا تاب المسلم بينه وبين الله بدون أن يجهر بها، يقبلها الله؟
وهل يجوز لنا الأخذ برأي أنه لا يقع شيء، وأبقى زوجته؛ لأن رسول الله صلى الله عليه، وعلى آله، وسلم رد زينب ابنته، لابن العاص بنكاحها الأول؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة من مسائل الخلاف بين الفقهاء، والجمهور على أن الزوج المرتد إن لم يرجع إلى الإسلام حتى انقضاء العدة، لم يجز له رجعة زوجته إلا بعقد جديد، خلافا لهذا القول الذي اختاره ابن القيم، وجمع من المحققين من العلماء.
وهو قول قوي له اعتباره، فمن كانت له قدرة على النظر في أقوال العلماء، وفهم وجوه الاستدلال والترجيح بين أقوالهم؛ فله الأخذ بما ترجح عنده. ومن كان عاميا واستفتى من يثق به وأفتاه بهذا القول، فله العمل به؛ لأنه قد أدى ما عليه.
قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته، فيما لا يعلمه من أمر دِينه ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه؛ حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ.
وليس له التخير بين أقوالهم لمجرد التشهي وتتبع الرخص، ومن غير حاجة تدعو لذلك، فلا يجوز.
وتراجع لمزيد الفائدة، الفتوى: 134759.
وإن تاب المسلم بينه وبينه ربه، فإن توبته صحيحة، وتكون مقبولة عند الله -بإذنه سبحانه- وأساس التوبة الندم، وهو عمل قلبي. فإن صدق هذا الندم توفرت معه باقي الشروط من الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة إليه.
قال الحافظ ابن حجر: وقال بعضهم: يكفي في التوبة تحقق الندم على وقوعه منه، فإنه يستلزم الإقلاع عنه، والعزم على عدم العود، فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه. ومن ثم جاء الحديث: الندم توبة. وهو حديث حسن. اهـ.
ولمزيد الفائدة، نرجو مراجعة الفتوى: 436051.
والله أعلم.