عنوان الفتوى : كيفية توبة من جحد المعلوم من الدين بالضرورة، وهل تجب استتابة المرتد؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

السؤال

من جحد شيئًا ووقع في الردة، ويريد الدخول في الإسلام، فهل يُقِرّ بما جحد، ثم ينطق الشهادتين، ثم يتوب ويستغفر، أم ينطق الشهادتين، ثم يقر ويتوب ويستغفر؟ وقد ورد في حديث رسول صلى الله عليه وسلم أن يقتل المرتد، فلماذا قالوا: إنه يستتاب ثلاثة أيام، ولا يقتل إن تاب؟
وهذا موقف أريد أن أعرف هل فيه ردة: من قال بينه وبين نفسه: إنه يستطيع دفع الوساوس بلعن الشيطان، وإن الاستعاذة لا تفيد معه، وإنها ليست قوية في دفعه؛ ظنًّا منه أنه يختار ما يلائم حالته؛ فهل وقع في الردة بذلك؟

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن ارتد بجحد معلوم من الدِّين بالضرورة، فتوبته أن يقرّ بقلبه بما جحد به، وينطق بلسانه بالشهادتين، وسواء حصلا معًا أم كان إقراره بما جحد به أولًا.

أما نطقه بالشهادتين مع جحده، فلا يفيده؛ لأن السبب الذي حكم لأجله بكفره -وهو جحد ما علم من الدين بالضرورة-، ما زال قائمًا؛ ولذا نصّ الفقهاء على أن من جحد معلومًا من الدِّين بالضرورة، فتوبته أن يقرّ بما جحده، مع نطق الشهادتين، قال البهوتي في الروض المربع: (ومن كان كفره بجحد فرض، ونحوه) كتحليل حرام، أو تحريم حلال، أو جحد نبي، أو كتاب، أو رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غير العرب، (فتوبته مع) إتيانه بـ (الشهادتين، إقراره بالمجحود به) من ذلك؛ لأنه كذّب الله سبحانه بما اعتقده من الجحد، فلا بدّ في إسلامه من الإقرار بما جحده. انتهى.

وأما استتابة المرتد، فهي محل خلاف بين أهل العلم، والقائلون بوجوبها استدلوا بفعل عمر -رضي الله عنه-، قال البهوتي في شرح الإقناع في بيان ما يجب مع المرتد: (دُعِيَ إلَيْهِ) أَيْ: الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالِاسْتِتَابَةِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَضُيِّقَ عَلَيْهِ) فِيهَا (وَحُبِسَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي، قَالَ: "قَدِمَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى، فَسَأَلَهُ عَنْ النَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةٍ خَبَرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، فَقَالَ: مَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟ قَالَ: قَرَّبْنَاهُ، فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا، وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا، وَأَسْقَيْتُمُوهُ، لَعَلَّهُ يَتُوبُ، وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ! اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَرْضَ، وَلَمْ أَحْضُرْ، وَلَمْ أَرْضَ إذْ بَلَغَنِي". رَوَاهُ مَالِكُ. فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِصْلَاحُهُ، فَلَمْ يَجُزْ إتْلَافُهُ قُبِلَ اسْتِصْلَاحُهُ -كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ-، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ مُدَّةٌ يَتَكَرَّرُ فِيهَا الرَّأْيُ، وَيَتَقَلَّبُ النَّظَرُ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرِ مِنْهَا. انتهى.

وأما الموقف المذكور، فظن الكفر به مجرد وساوس، لا حقيقة لها.

فعليك أن تجاهدي هذه الوساوس، وألا تبالي بها، ولا تلتفتي إليها؛ فإن استرسالك معها يفضي بك إلى شر عظيم.

والله أعلم.