عنوان الفتوى : وضع من فاتته الصلاة يده على المسبوق ليشعره بإتمامه به
السؤال
عندما يدخل المُصَلِّي إِلَى المَسْجد مسبوقًا، فيجدُ مسبوقًا آخر يُصلِّي ما فاته من الصَّلاة، فيقومُ المسبوق الدَّاخل إلى المسجد بوضع يَده على المسبوق الأوَّل؛ ليكون إمامًا، فهل ورد في الشَّرع أن يضعَ المُصلِّي يده على المسبوق؛ ليكون إمامًا؟، وإذا لم يكن واردًا، فماذا يفعل؛ لكي يُشعرَه بأنَّه صارَ إمامًا له؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا خلاف العلماء فيمن دخل المسجد -وقد صلى الناس- فاقتدى بمسبوق قد أدرك بعض الصلاة مع إمام المسجد، ورجحنا جواز ذلك في الفتوى: 119955.
وأما ما سألت عنه من وضع الداخل يده على المسبوق ليشعره بإتمامه به، هو مرتبط بمسألة اشتراط نية الإمامة من الإمام في صحة الاقتداء به، كما هو مبين في الفتوى: 176327.
فإذا علم ذلك؛ فهذا الفعل ونحوه من باب الإشارة إلى المصلي، وهي جائزة، بل هي أولى من تكليمه، ويشهد لذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا المُسْلِمُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ، لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ، فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الخُرُوجَ، وَهَمَّ المُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ اليَوْمِ.
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله في فتح الباري عند شرح (باب الإشارة في الصلاة) من صحيح البخاري: الإشارة إلى المصلي بما يفعله في صلاته أقل لشغل باله من خطابه بالقول، لما يحتاج إلى تفهم القول بقلبه، والإصغاء إليه بسمعه، والإشارة إليه يراها ببصره، وما يراه ببصره قد يكون أقل إشغالًا له مما يسمعه بأذنه. انتهى.
وكذلك يشهد لجواز هذا الفعل ونحوه حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ، فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ. رواه البخاري.
قال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري في فوائد هذا الحديث: جَوَازُ اسْتِمَاعِ الْمُصَلِّي إِلَى كَلَامِ غَيْرِهِ، وَفَهْمِهِ لَهُ، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ، وَأَنَّ الْأَدَبَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُومَ الْمُتَكَلِّمُ إِلَى جَنْبِهِ، لَا خَلْفَهُ، وَلَا أَمَامَهُ؛ لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا تُمْكِنَهُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ. انتهى.
والله أعلم.