عنوان الفتوى : سعي الفتاة لعلاقة كلامية مع شاب ذي خُلُق ليتزوجها
السؤال
أنا طالبة يدرس معي زميل صالح مثلي -والحمد لله-، ويتحدث معي بطريقة مختلفة، وأشعر بنسبة 75% أنه يحبني، ولاحظ ذلك الزملاء، ووجدت نفسي أحبّه؛ رغم أننا لا نتحدث إلا في المدرسة عن الدراسة، وأحيانًا عن الدِّين؛ إلا أنني أفكّر في قطع الحديث معه كليًّا، إلا إذا كلمني، فأرد، لا أكثر.
وهو من الصنف الخجول، ووجدت في الإنترنت أن الخجول يحتاج إلى إشعاره بالاهتمام والأمان، لعله يطمئن لي، فيخطو خطوة للحلال؛ كأن يطلبني من أهلي، فهو مرتاح لي أكثر من أيَّة بنت، ولو ابتعدت فأشعر أني أغلقت الباب في وجهه، ولم أتسبب باستقباله العادي دون مبالغة، وأعيش غير مرتاحة؛ لأنه خجول، ومهما تألَّم من ابتعادي عنه، فلا أظنه سيتجرأ ويسألني، أو يضايقني، لكني سأعيش مرتاحة نوعًا ما وقلبي متأثر، وسيعيش ألمًا يكبته في داخله، فلا أرتاح أبدًا.
أعلم أن الحرام في الإسلام يصبح حلالًا في بعض الحالات، فأقول: لعل هذه الحالة المتعلقة بخجله حالة يجوز فيها تواصلي معه؛ كي أسهّل له الأمر بإشعاره بالأمان؛ خاصة أن هذا العام هو العام النهائي الذي نلتقي فيه في المدرسة، وقد سبق أن قلت له ولغيره عدة مرات أني أعتبرهم كالإخوة، وقد كنت أحبه، لكنه لم يصارحني بشيء؛ وأنا أشعر بالحسرة لأني قلت له: أعتبرك كالأخ؛ وأريد تصحيح خطئي بمواصلة إشعاره بالاهتمام دون مبالغة بدلًا من الابتعاد؛ لأني بالابتعاد أشعر أني أؤكد له أني لا أعتبره أكثر من أخ، وهو لا يثق في نفسه، ويحتقرها، ويخجل، ويخاف، فأزيده يأسًا مني بكل سهولة، وأخاف لو ابتعدت اليوم أن يجد غدًا من تشعره بالاهتمام، فيلين قلبه إليها، فأغار أو أندم على ابتعادي، وأتحسر على عبارة: أعتبرك كالأخ، وهذه العبارة تجعله لا يتجرَّأ أن يخطو أيَّ خطوة للحلال؛ خوفًا من الرفض، فكيف أفعل؟ أأظل أتحدث معه لخجله ولأصحح خطئي، أم أبتعد، أم أسأله عن حاله؟ وماذا إن جاء هو يسألني مثلًا عن حالي في الدراسة، فهل أسأله عن حاله أيضًا؛ كيلا أحرجه، فنبقى في نفس الحلقة التواصلية.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك الوقوف عند حدود الله، والحذر من اتباع خطوات الشيطان، والتهاون والاسترسال في مكالمة هذا الشاب بحجة أنّه خجول، وأنّك تريدين بذلك أن يتقدم لخطبتك، فكل ذلك ليس مسوّغًا لهذا الكلام، فمكالمة الأجنبي دون حاجة معتبرة؛ باب فتنة، وذريعة فساد.
ودعوى أنّ الفتاة تكلم زميلها باعتباره كأخيها؛ دعوى زائفة؛ ولذلك ذهب كثير من أهل العلم إلى منع المكالمة بين الشابة والأجنبي، ولو بمجرد إلقاء السلام، إذا خشيت الفتنة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز التكلم مع الشابة الأجنبية بلا حاجة؛ لأنه مظنة الفتنة، وقالوا: إن المرأة الأجنبية إذا سلمت على الرجل: إن كانت عجوزًا، رد الرجل عليها لفظًا، أما إن كانت شابة يخشى الافتتان بها، أو يخشى افتتانها هي بمن سلّم عليها، فالسلام عليها وجواب السلام منها حكمه الكراهة عند المالكية، والشافعية، والحنابلة، وذكر الحنفية أن الرجل يرد على سلام المرأة في نفسه، إن سلمت عليه، وترد هي في نفسها، إن سلم عليها، وصرح الشافعية بحرمة ردها عليه. انتهى.
ولكن يجوز للمرأة أن تعرض نفسها على من ترى فيه الصلاح ليتزوجها، وذلك بضوابط وآداب مبينة في الفتوى: 108281.
فإن أقدم على زواجها، فهذا خير، وإلا فعليها أن تنصرف عن التعلق به، وتشغل نفسها بما ينفعها.
وأمّا أن تسعى لعلاقة مع شاب ليتزوجها؛ فهذا مخالف للشرع، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ما هي الطريقة الشرعية التي لا تتعارض مع ديننا الإسلامي الحنيف في تبادل الحب بين فتاةٍ وفتى، أو شابةٍ وشاب. أفيدونا -أفادكم الله، وجعلكم من الصالحين الأبرار-؟
فأجاب -رحمه الله تعالى-: الطريقة الشرعية في ذلك أن الإنسان إذا وقع في قلبه محبة امرأة ليست مع زوج، هو أن يخطبها من أهلها، ثم يتزوجها بالنكاح الصحيح؛ وبذلك يكون قد مشى على الطريق السليم الشرعي.
وفي هذه الحال لا يجوز أن يتصل بها على وجه الانفراد قبل عقد النكاح.
ولا يجوز أيضا أن يبادلها رسائل الحب، والتملق، والتلذذ بالمكاتبة والمخاطبة، وما أشبه ذلك؛ لأن المشروع أن ينظر إليها فقط لما يدعوه إلى نكاحها، إذا كان يحتاج إلى ذلك النظر. وأما المراسلات والمكاتبات والمكالمات في الهواتف، وما أشبه هذا؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه يحصل به فتنة، وربما لا يتيسر الوصول إليها بالنكاح الشرعي، فيتعلق قلبه بها، وقلبها به مع عدم وصول كلٍ منهما إلى الآخر. انتهى من فتاوى نور على الدرب.
وللفائدة راجعي الفتاوى: 110476، 1932، 66843.
والله أعلم.