قبل فصل غرب مصر والإعلان عن الدولة القبطية الصهيونية - عامر عبد المنعم
مدة
قراءة المادة :
13 دقائق
.
في ظل حالة الضعف التي تضرب الدولة المصرية استطاعت الدوائر الخارجية تنفيذ مراحل متقدمة في مشروع الدولة القبطية في غرب مصر ، الذي خطط له الصهاينة منذ الثمانينات لزرع كيان طائفي مدعوم صهيونيًا، في إطار مشروع تقسيم مصر والدول الكبيرة في العالم العربي وتنفيذ سايكس بيكو جديد، نرى تنفيذه في أكثر من دولة بالمنطقة. موضوع الدولة القبطية الصهيونية لم يعد مجرد فرقعات إعلامية، ومناورات سياسية لمجموعة من أقباط المهجر، وإنما هو مشروع صهيوني يستغل رغبة بعض المسيحيين الانفصاليين في إقامة كيان طائفي على قطعة من الأرض المصرية، وهدف الصهاينة تفكيك مصر وتفتيتها لإنهاء وجودها كدولة قوية وإشغالها بنفسها بإثارة النزاعات الطائفية فيها وتحويلها إلى جثة هامدة غير قادرة على تجميع قواها مرة أخرى.
كشف الناشط المسيحي رامي جان أسرارًا جديدة عن الدولة القبطية التي نستهين بها، ونتعامل معها باستخفاف، فأشار في لقاء تلفزيوني على قناة مكملين مع الأستاذ محمد ناصر إلى أن هذه الدولة تحظى باعتراف دولي، ولها سفراء معترف بهم في 15 دولة، أهمها أمريكا وكندا واستراليا وقال أن القائمين على الدولة القبطية جمعوا مليون توقيع من داخل مصر وخارجها.
وفي تصرف له مغزى أرسل الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عيد رأس السنة الأخير تهنئة لرئيس الدولة القبطية بمناسبة رأس السنة الميلادية، ويتم دعوة قيادات هذه الدولة في الكونجرس الأمريكي باعتبارهم دولة.
الإستراتيجية ومكان الدولة
بدأت الدوائر الصهيونية تطرح فكرة تقسيم الدول العربية ومصر كإستراتيجية، منذ الثمانينات كحل لإضعاف العالم العربي، خاصة مع نسبة النمو السكاني المرتفعة، فطرحت الإستراتيجية الجديدة من خلال ما عرف باسم وثيقة كيفونيم وهي مجلة تصدرها "المنظمة الصهيونية العالمية" في القدس ، بعنوان "خطط إسرائيل الإستراتيجية في عقد الثمانينات" في عددها الـ 16 عام 1982م، وهي منشورة في العديد من المراجع، وقدمها المفكر القومي الدكتور عصمت سيف الدولة رحمه الله كأحد مستندات دفاعه عن المتهمين في قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988م، ونشرها الأستاذ محمد سيف الدولة في كتيب بعنوان "الوثيقة الصهيونية لتفتيت الأمة العربية".
وأشار إليها روجيه جارودي في كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية " وشرح كيف أن ما طرحه الإسرائيليون تتبناه الولايات المتحدة وتعمل على تنفيذه.
جاء في الوثيقة: "لقد غدت مصر، باعتبارها كيانا مركزيا مجرد جثة هامدة، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار المواجهات التي تزداد حدة بين المسلمين والمسيحيين.
وينبغي أن يكون تقسيم مصر إلى دويلات منفصلة جغرافيًا هو هدفنا السياسي على الجبهة الغربية خلال سنوات التسعينات".
وأكدت الوثيقة أن "تفتيت مصر إلى أقاليم جغرافية منفصلة هو هدف إسرائيل السياسي على جبهتها الغربية.
إن مصر المفككة والمقسمة إلى عناصر سيادية متعددة، على عكس ماهي عليه الآن, سوف لن تشكل أي تهديد لإسرائيل بل ستكون ضماناً للأمن والسلام لفترة طويلة، وهذا الأمر هو اليوم في متناول أيدينا".
وأشارت الوثيقة إلى أن "دول مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منها سوف لا يكون لها وجود بصورتها الحالية، بل ستنضم إلى حالة التفكك والسقوط التي ستتعرض لها مصر.
فإذا ما تفككت مصر فستتفكك سائر الدول الأخر، إن فكرة إنشاء دولة قبطية مسيحية في مصر العليا (تم تعديل المكان لأسباب ديمغرافية) إلى جانب عدد من الدويلات الضعيفة التي تتمتع بالسيادة الإقليمية في مصر -بعكس السلطة والسيادة المركزية الموجودة اليوم- هي وسيلتنا لإحداث هذا التطور التاريخي.
إن التفتت للبنان إلى خمس مقاطعات إقليمية يجب أن يكون سابقة لكل العالم العربي بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية".
مخطط برنارد لويس
لعب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة دورًا مهمًا لاعتماد مخطط التقسيم الإسرائيلي وتحويل الفكرة إلى إستراتيجية، وطلبت وزارة الدفاع الأمريكية من المؤرخ اليهودي برنارد لويس المعادي للعرب والمسلمين رسم الخرائط الجديدة للتقسيم لدراستها وإقرارها، وتمت الموافقة على ما طرحه لويس وفريقه بشكل سري في الكونجرس والوكالات الأمنية عام 1983، وقد تسربت هذه الخرائط كاملة فيما بعد وهي متاحة الآن لمن يريد الاطلاع عليها.
وبالنسبة لمصر فإن مخطط برنارد لويس قرر تقسيم البلد إلى 5 دويلات، سيناء والصحراء الشرقية على مرحلتين ضمن إسرائيل الكبرى، والصحراء الغربية وعاصمتها الإسكندرية دويلة مسيحية (بعد استبعاد فكرة جنوب مصر لأسباب ديمغرافية)، وضم جنوب مصر مع شمال السودان في دولة نوبية، وما تبقى من الدلتا والشريط الملاصق للنيل هي الحدود الجديدة للدولة المصرية التي يسكنها المسلمون.
لقد حذر العلامة أستاذ العلوم السياسية الدكتور حامد ربيع من هذا المخطط وكشف أجزاء من تفاصيله في مقالات مهمة نشرها في الوفد والأهرام الاقتصادي في الثمانينات ولكن دون جدوى ولم يسمع له أحد، حتى بدأنا اليوم نشهد بروز ملامح هذه الدولة الطائفية الصهيونية، وللأسف قطع المخطط الصهيوني شوطًا كبيرًا، ليس بغفلة السلطة المصرية بل بمساندة الدولة منذ حكم حسني مبارك وأخيرا بالدعم المباشر والرسمي من عبد الفتاح السيسي.
الأساس في وادي النطرون
بدأ التفكير في وادي النطرون كنواة لهذه الدولة بسبب موقعها الإستراتيجي القريب من ساحل البحر الأبيض المتوسط، ولقلة عدد السكان في هذه المنطقة الصحراوية؛ فبدأت عمليات التوسع ببناء الأسوار لضم مساحة شاسعة حول دير الأنبا مقار تضم القلايات المتناثرة في الصحراء، مستغلين تسامح السلطة وسعيها لشراء رضا الكنيسة، واستغلوا تسامح الحكم ورغبته في استرضاء الكنيسة في عمليات توسع ممنهجة لالتهام أكبر مساحة جغرافية.
وهذه أهم مراحل التوسع الطائفي في وادي النطرون:
1- وضع دير الأنبا مقار يده على 200 فدان طبقا للقانون رقم 100 لسنة 1964.
2- سيطر الدير على 300 فدان بقرار من رئيس الوزراء رقم 16 لسنة 1977.
3- حصل الدير على 1000 فدان منحة من السادات في 23/8/1978.
4- سيطر الدير على 2000 فدان وانتزعها من قبيلة الجوابيص.
5- عندما سيطر الدير على الوادي المنخفض عن سطح البحر بدأ يتحرك شمالاً للسيطرة على الأراضي وحتى العلمين بالساحل الشمالي، ووضع الدير يده على آلاف الكيلومترات بالصحراء الغربية بحجة الاستصلاح.
6- نشرت الصحف في أوائل التسعينيات قيام الدير بوضع يده على 50 ألف فدان بالقرب من مدينة الحمام عند الكيلو 69 بطريق الإسكندرية مطروح، وعلى ساحل البحر المتوسط على بعد 200 كيلو من وادي النطرون.
7- بدأ دير الأنبا مقار في التحرك شرقاً، للسيطرة على المساحات الواقعة بين الدير وطريق مصر الإسكندرية الصحراوي لوضع يده على الأراضي الواقعة بين الكيلو 26 حتى الكيلو 118 طريق مصر الإسكندرية الصحراوي.
8-ينشط الدير من خلال الوسطاء والسماسرة في شراء الأراضي بضعف أسعارها في وادي النطرون حتى العلمين.
9- توسع حركة استيلاء الرهبان على الأراضي في مجمل الصحراء الغربية وتسوير آلاف الكيلومترات من الصعيد وحتى الساحل الشمالي بوضع اليد وبالقوة.
10- مشاركة مندوبي دير الأنبا مقار في كل المزادات وعمليات توزيع الأراضي بالصحراء، حتى أصبحت نسبة تملك المسيحيين للأراضي تتراوح بين 40% إلى 50% في بعض المناطق، مع سعي المسيحيين لشراء أراضي جيرانهم بمبالغ فلكية لصالح الدير.
11- استغلال عمليات العرقلة التي تدور حولها شبهات التعمد الحكومي للضغط على المسلمين للبيع تحت زيادة الأعباء والخسائر أو بإغراء البيع بضعف سعر الأرض، وهو ما يحدث الآن في جنوب شرق منخفض القطارة وأراضي الواحات ومناطق أخرى في مجمل الصحراء.
12- دخول رجال أعمال مسيحيين بشراء مساحات بآلاف الكيلومترات من باب الاستثمار.
13- بيع مساحات شاسعة للمستثمرين الأجانب الذين يتم إرسالهم في إطار المخطط الصهيوني.
التنفيذ بقوة الدولة
ما يجري في الصحراء الغربية لا يتم سرًا، فعمليات التهيئة التي تتم في الصحراء الغربية تتم بقوة الدولة المصرية وحمايتها لعمليات السطو الطائفي المنظم بسبب الفساد والرشاوي، وأخطر دعم حكومي رسمي للمخطط الصهيوني هو ما جاء في مشروع التقسيم الإداري الجديد للمحافظات المصرية الذي أعلنه عبد الفتاح السيسي، والذي تم اختصاره -لأسباب مالية وإدارية- في تنفيذ 3 محافظات، واحدة لرهبان سانت كاترين بجنوب سيناء، والمحافظتان الأخريان العلمين والواحات لصالح رهبان الصحراء الغربية.
وتناولت في المقال السابق ما يتعلق بمحافظة جنوب سيناء بالتفصيل، أما المحافظتين اللتين تتبنى السلطة الحالية تقسيمهما في الصحراء الغربية فهما العلمين والواحات فكلاهما أساس الدولة القبطية المخطط لها؛ والأولى هي الأخطر لأنها تضع حجر الأساس والخط الإداري لنواة الدولة القبطية في وادي النطرون، والثانية لحماية الظهير الصحراوي لها من الزحف البشري، ووقف حركة التدفق السكاني من مدينة 6 أكتوبر إلى الواحات؛ بانتزاع الظهير الصحراوي لمحافظة الجيزة واختراع محافظة جديدة باسم الواحات، ليضمنوا خلو الصحراء من السكان إلى أن تكتمل عملية السيطرة الكاملة.
التوسع الاستيطاني للأديرة
من الظواهر التي أصبحت أبرز ما يميز الصحراء الغربية هي عمليات السطو التي يقوم بها من يدعون أنهم رهبان على آلاف الكيلو مترات، بمساندة السلطة وحمايتها، وتحولت الرهبنة من عملية تعبد وزهد إلى عمليات استيطان معلن.
الأمثلة كثيرة، نذكر آخرها وهو ما حدث في وادي الريان حيث استولى مجموعة من الرهبان على ما يزيد عن 13 ألف كيلو مترا مربعا، أثناء ثورة يناير بالقوة المسلحة، تضم المناطق المحمية وهي وادي الريان ووادي الحيتان ومنطقة العيون، وقطعوا الطريق بين الفيوم والواحات، وطردوا الدولة وموظفي المحميات من المنطقة، ومنعوا الحكومة من شق الطريق الإقليمي الذي كان مقررا مروره في المنطقة.
السيسي والرهبان
تعامل السلطة المصرية مع ما حدث في وادي الريان الذي أطلقوا عليه اسم "الدير المنحوت" يؤكد أن دولة الرهبان أقوى من الدولة المصرية، فالحكومة المصرية بتوجيه من عبد الفتاح السيسي لجأت إلى الكنيسة الكنيسة للتحكيم(!) فقررت اللجنة التي شكلتها الكنيسة تمكين الرهبان من مساحة أربعة آلاف فدان وتحمل الحكومة تكلفة بناء الأسوار، فوافقت الحكومة على التنازل عن الأراضي المحمية بالقانون وفرطت في حق الدولة المصرية، ولكن وبعد انتزاع الرهبان الاعتراف الحكومي بتملك الأرض رفضوا مرور الطريق.
لجأت الحكومة إلى "المصريين الأحرار" الحزب التابع لرجل الأعمال نجيب ساويرس وفوضتهم في التحكيم، فتم تشكيل وفد من النواب المسيحيين في البرلمان فأكدوا ما توصلت إليه لجنة الكنيسة وهو إضفاء المشروعية لاحتلال الرهبان 4 آلاف فدان مع تغيير مسار الطريق!
لكن المفاجأة ما فعله عبد الفتاح السيسي يوم جمعة الأرض 15 إبريل عندما كان في جبل الجلالة حيث أعلن أنه قرر وقف الطريق بزعم الحفاظ على نسيج مصر(!)
نتائج قرار السيسي بوقف الطريق الإقليمي بين الفيوم والواحات تعني طرد الدولة من المنطقة، وترك عشرات الآلاف من الكيلومترات لحفنة من الرهبان الانفصاليين والتنازل عن كل المساحة من وادي الريان وحتى الواحات، وليس فقط الـ 13 ألف فدان المستولى عليها حتى الآن، وهذا القرار الكارثي يعد سابقة ستتكرر في نقاط أخرى مشابهة.
ولكن رغم خطورة ما سبق فإن المخطط بدأ يأخذ أبعادا أكثر خطورة؛ فإن ما يجري حاليا من نقل ملكية مساحات شاسعة من الأراضي من الدولة إلى الشركات والأجانب تحت شعار الاستثمار إدخال عناصر دولية في تملك الصحراء؛ فطرح الأراضي للمستثمرين هو المدخل لاستدعاء المرتزقة من بلاك ووتر وفرسان مالطا وشركات الأمن الخاصة التي تم تجهيزها وتنتظر لحظة القدوم تحت مبررات تأمين الاستثمارات!
ثمة ملاحظة مهمة في ختام المقال وهي أننا عندما نكتب عن خطط الصهاينة لتفتيت الدولة المصرية فإننا نهدف إلى كشف الاستراتيجيات المعادية، لفضحها والتصدي لها، مع التأكيد أن هذه الخطط ليست قدرًا مقدورًا، وإنما مجرد مكر وتآمر بغرض إثارة الفتنة في مصر، فالكيان الصهيوني لا يضمر لنا الخير، ولن يتوقف عن الكيد لأمتنا، ولكن لن يستطيع الصهاينة أن يحققوا ما يريدون إلا بغفلتنا، ومن هنا تأتي تحذيراتنا عسى أن تجد من يعيها من المخلصين ويعمل على وقف إستراتيجية الفتن الصهيونية.