أرشيف المقالات

الوقف على أواخر الكلم (من كتاب اللالئ الذهبية في شرح المقدمة الجزرية)

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
الوقف على أواخر الكلم
(من كتاب اللالئ الذهبية في شرح المقدمة الجزرية) (16)

محمد رفيق مؤمن الشوبكي
 

 

وَحَاذِرِ الْوَقْفَ بِكُلِّ الحَرَكَهْ
إِلاَّ إِذَا رُمْتَ فَبَعْضُ الحَرَكَهْ[1]

إِلاَّ بِفَتْحٍ أَوْ بِنَصْبٍ وَأَشِمّ
إِشَارَةً بِالضَّمِّ فِي رَفْعٍ وَضَمّ

 
(وَحَاذِرِ الْوَقْفَ بِكُلِّ الحَرَكَهْ)؛ أي: احذر أيها القارئ أن تقف مع الإتيان بتمام حركة الحرف الذي تقفُ عليه، فالعرب كما لا تبدأ بساكن، فكذلك لا تقف على متحرِّك.
 
(إِلاَّ إِذَا رُمْتَ فَبَعْضُ الحَرَكَهْ إِلاَّ بِفَتْحٍ أَوْ بِنَصْبٍ): يستثنى من عدم جواز الوقف مع تحريك الحرف الموقوف عليه (حالة الوقف بالروم)، فوفقًا لذلك للقارئ أن يأتي ببعض حركة الحرف الموقوف عليه، ويكون ذلك في المرفوع والمضموم والمجرور والمكسور، ولا يتحقَّق الروم في المنصوب والمفتوح.
 
فوائد:
1- يعرَّف الروم بأنه: الإتيان ببعض حركة الحرف الموقوف عليه، أو خفض الصوت عند الوقف على الضمة أو الكسرة؛ بحيث يذهب معظم صوتهما.
 
2- قدَّر العلماء الجزء الذي يُؤتى به من الحركة عند الوقف بالروم بثلث الحركة، إلا في كلمة (تَأْمَنَّا) في سورة يوسف؛ فإنَّه يؤتى فيها عند الروم بثلثَي الحركة، ويعبِّر عنه العلماء بالاختلاس أو الإخفاء.
 
3- يحذف التنوين من المنوَّن في حالة الروم، ويوقف عليه ببعض الضمة إن كان مرفوعًا أو بعض الكسرة إن كان مجرورًا.
 
4- تُعامَل الكلمة الموقوف عليها بالروم معاملَة الوصل، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "ورومهم كما وصلهم"، ونضرب لذلك مثالين:
أ‌- (نستعينُ): هذه الكلمة فيها مدٌّ عارِض للسكون، حال الوقف عليها بالسكون المحض، تمد (2 أو 4 أو 6 حركات)، أما حال الوقف عليها بالروم فتُقصر فتمدُّ حركتين فقط، كحكمها عند الوصل، وهي عند الوصل مدٌّ طبيعي بمقدار حركتين.
 
ب‌- (القَدْرِ): الراء في هذه الكلمة حال الوقف عليها بالسكون المحض مفخَّمة؛ لأنَّه يسبقها ساكن يسبقه مفتوح، أما حال الوقف عليها بالروم فهي مرقَّقة؛ لأنَّ الروم كما الوصل، وهي عند الوصل مرقَّقة؛ لكونها مكسورة.
 
(وَأَشِمّ إِشَارَةً بِالضَّمِّ فِي رَفْعٍ وَضَمّ)؛ أي: لك أيها القارئ أن تقف بالإشمام للإشارة إلى ضمَّة حركة الحرف الموقوف عليه إن كان مرفوعًا أو مضمومًا، ولا يمكن أن يوقف بالإشمام على الكلمة التي تنتهي بحرفٍ منصوب أو مفتوح أو مجرور أو مكسور.
 
ويعرف الإشمام بأنه: ضم الشفتين بُعيد تسكين الحرف المرفوع أو المضموم بحَيث يراه المبصِر دون الأعمى، والإشمام يكون بالإشارة بالشفتين ولا يُحدِث أيَّ صوت.
 
فوائد:
1- الإشارة في الوقف بالروم والإشمام: هي بيان الحركة التي تثبت في الوصل للحرف الموقوفِ عليه، فتظهر للسامع حالة الروم، وتظهر للناظر حالة الإشمام.
 
2- قال الناظم: (إلا بفتح أو بنصب)، وقال: (رفع وضم)؛ وذلك لأنَّ الضمَّ والفتح والكسر علامات بناء، أما الرفع والنصب والجر فعلامات إعراب.
 
3- الموقوف عليه من حيث جواز السكون المحض والروم والإشمام من عدمه ثلاثة أنواع:
أ‌- ما يوقَف عليه بالسكون المحض فقط[2]، ولا يجوز فيه الروم والإشمام، وذلك في:
الساكن سكونًا أصليًّا، وصلاً ووقفًا، مثل: (فلا تنهرْ)، ومنه حروف المد، مثل: (بما، قالوا، في).
 
المنصوب أو المفتوح، مثل: (المستقيمَ، ريبَ).
تاء التأنيث المربوطة التي يوقف عليها بالهاء، مثل: (الجنة، رحمة).
 
عارض الشكل؛ أي: ما كان محرَّكًا في الوصل بحركة عارضة تخلُّصًا من التقاء الساكنين، كتحريك الراء بالكسر في مثل قوله تعالى: ﴿ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ﴾ [يونس: 2]، وتحريك ميم الجمع بالضمِّ في مثل قوله تعالى: ﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [البقرة: 166]، ومن ذلك كلمتَا: (حينئذٍ، يومئذٍ)، فهاتين الكلمتين تنوين الكسر فيهما عارِض؛ لالتقاء ساكنين؛ الساكن الأول: الذال الساكنة، والساكن الثاني: التنوين، وهو نون ساكنة زائدة.
 
ب‌- ما يوقف عليه بالسكون المحض والروم والإشمام: وهو ما كان مرفوعًا أو مضمومًا، مثل: (نستعينُ، قبلُ).

ت‌- ما يوقف عليه بالسكون المحض والروم دون الإشمام: وهو ما كان مجرورًا أو مكسورًا، مثل: (الرحيمِ، أولاءِ).
 
4- اختلف العلماء في هاء الكناية من حيث جواز الروم والإشمام فيها؛ فمنهم من قال بالجواز مطلقًا، ومنهم من قال بالمنع مطلقًا، والرأي الذي يرجِّحه الإمام ابن الجزري رحمه الله جواز الروم والإشمام في هاء الكناية إذا سُبِقَت بفتحة أو ألف أو ساكن صحيح، مثل: (تُخلَفَهُ، اجتباهُ، منْه)، ومنعهما إذا سُبِقت بضمة أو واو أو بكسرة أو ياء.
 
5- يوقف بالحذف عند الإمام حفص عن عاصم في المواضع التالية:
أ‌- التنوين: فيوقف بحذفه في حالتي الرفع والجرِّ مطلقًا، مثل: (كتابٍ، كريمٌ)، ويحذف التنوين كذلك في حالة النصب إذا كان على تاء تأنيث مربوطة، مثل: (رحمةً)، ويحذف التنوين أيضًا في حالة النصب إذا كان على اسم مقصور، مثل: (عمًى، مصفًّى).
 
ب‌- صلة هاء الضمير، واوًا كانت أم ياء، مثل: ﴿ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾ [الانشقاق: 15]، فعند الوقف على (ربَّه) تُحذف الواو الموصولة بالهاء وصلاً، وعند الوقف على (بِه) تُحذف الياء الموصولة بالهاء وصلاً.
 
ت‌- الياء الزائدة الثابتة حال الوصل في قوله: (فما آتانِي الله) في سورة النمل، فعند الوقف على كلمة (آتانِي) وفقًا لرواية حفص عن عاصم، هناك وجهان؛ الأول: الوقف عليها بالنون مع حذف الياء الزائدة، والثاني: الوقف عليها بالياء الزائدة.
 
6- يوقف بالإبدال عند الإمام حفص عن عاصم في الموضعين التاليين:
أ‌- التنوين في الاسم المنصوب على غير هاء التأنيث المربوطة، مثل: (عليمًا، سواءً، إذًا، ليكونًا، لنسفعًا)، فعند الوقف عليه يُبدل ألفًا، ويسمَّى مد عوض؛ لأن الألف المبدلة جاءت عوضًا عن التنوين.
 
ب‌- تاء التأنيث المربوطة، مثل: (الحكمة، الحسنة)، فعند الوقف عليها تبدل هاءً ساكنة.


خاتمة المنظومة:
وَقَد تَّقَضَّى نَظْمِيَ المُقَدِّمَهْ ♦♦♦ مِنِّي لِقَارِئِ القُرَانِ تَقْدِمَهْ[3]
أي: قد انتهى النَّاظِم من منظومته "المُقدِّمَة فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه"، وهي كما بَيَّن تُحفة وهديَّة منه لقارئي القرآن الكريم.
 
[أَبْيَاتُهَا قَافٌ وَزَايٌ فِي الْعَدَدْ ♦♦♦ مَنْ يُحْسِنِ[4] التَّجْوِيدَ يَظْفَرْ بِالرَّشَدْ]
ملاحظة هامة: البيتان (107، 109) من زيادات بعض العلماء، وليسا من أصلِ المنظومة، وقد وضعتُهما بين قوسين[5].
 
(أَبْيَاتُهَا قَافٌ وَزَايٌ فِي الْعَدَدْ): يرمز هذا الشَّطر إلى عدد أبيات المنظومة في قول: (قاف وزاي)، وعددها (107)، فالقاف يقابل (100)، والزاي يقابل (7).
 
فالحروف لها حساب في الأرقام، وذلك على النحو التالي: (أ = 1، ب = 2، ج = 3، د = 4، ه = 5، و = 6، ز = 7، ح = 8، ط = 9، ي = 10، ك = 20، ل = 30، م = 40، ن = 50، س = 60، ع = 70، ف = 80، ص = 90، ق = 100، ر = 200، ش = 300، ت = 400، ث = 500، خ = 600، ذ = 700، ض = 800، ظ = 900، غ = 1000).
 
(مَنْ يُحْسِنِ التَّجْوِيدَ يَظْفَرْ بِالرَّشَدْ)؛ أي: من يُتقن تجويدَ القرآن يفُز بالرشد والهداية والاستقامة.

وَالحَمْدُ للهِ لَهَا خِتَامُ
ثُمَّ الصَّلاَةُ بَعْدُ وَالسَّلاَمُ

[عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى وَآلِهِ
وَصَحْبِهِ وتَابِعِي مِنْوَالِهِ]


 
يختِم الناظم منظومته بما بدأ به من حَمْد الله تعالى، والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
 
وأضاف بعضُ العلماء البيت (109) كما أسلفنا، ومفادُه الصلاة والسلام على النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبِه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، فيقصد بقوله: (وتَابِعِي مِنْوَالِهِ)؛ أي: السائرين على نَهْجه صلى الله عليه وسلم والمقتفين لأثره والمُتَّبعين لسنَّته.
 
فائدة:
السلام على النَّبي صلى الله عليه وسلم، يُقصد به الدُّعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بسلامتِه في حالِ حياته، وسلامة بدنِه في قَبْره، وسلامته يوم القيامة، وقيل: السَّلام على النبي صلى الله عليه وسلم يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّته، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابِثين، وقال المجد الفيروزابادي رحمه الله في كتابه (الصِّلاتُ والبُشَر، في الصلاة على خير البشر) في معنى التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم: "ومعناه: السلام - الذي هو اسمٌ من أسماء الله تعالى - عليك، وتأويله: لا خلوتَ من الخَيْرات والبركات، وسلِمتَ من المكارِه والآفات؛ إذ كان اسمُ الله تعالى إنَّما يُذكر على الأمور توقُّعًا لاجتماع معانِي الخير والبركة فيها وانتفاء عَوارض الخلَل والفساد عنها، ويحتمل أن يكون السَّلام بمعنى السلامة؛ أي: ليكن قضاء الله تعالى عليك السَّلامة؛ أي: سلِمتَ من الملام والنقائص، فإذا قلتَ: اللهم سلِّم على محمد؛ فإنَّما تريد منه اللَّهم اكتب لمحمدٍ في دعوته وأمَّتِه وذِكرِه السَّلامة من كلِّ نقص، فتزداد دعوته على ممرِّ الأيام علوًّا، وأمَّته تكثرًا، وذِكره ارتفاعًا".

[1] وفي نسخ أخرى: "حَرَكَهْ" بدون (أل) التعريف.

[2] السكون المحض: هو السكون الخالص من الروم والإشمام، ويقال له: السكون المجرَّد، وهو عزل الحركة عن الحرف الموقوف عليه فيسكن.

[3] وفي نسخ أخرى: "تَقْدُمهْ" بضم الدال.

[4] وفي نسخ أخرى: "يُتْقِن".

[5] لم يذكر العلامة عبدالدائم الأزهري تلميذ ابن الجزري في شرحه للمنظومة هذين البيتين، وإنما ألَّف بيتًا من عنده، واعتمده بعد ذلك الملاَّ علي القاري، وهذا البيت أتبعه الشيخ الأزهري بالبيت الأخير لابن الجزري الذي يقول فيه:
والحمد لله لها ختام ♦♦♦ ثمَّ الصلاةُ بعد والسلامُ
فأكمل قائلاً:
على النبي المصطفى المختارِ ♦♦♦ وآله وصحبِه الأطهار

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١