عنوان الفتوى : التحذير من الإساءة للوالدين وإيذائهما
لا أستطيع أن أبر والديَّ، وفشلت في ذلك مرارا وتكرارا، نظرا للاختلاف الشديد في طريقة التفكير، وكثيرا ما يظلماني. أنا بفضل الله خاتمة للقرآن، وأحافظ على أوراد الذكر والقرآن، وأحافظ على قيام الليل، ولكني لا أستطيع برهما، فقد شلت مرارا وتكرارا، أصبحت أكرههما كرها شديدا. لقد ابتليت عدة ابتلاءات في حياتي منها السحر والطلاق، وبالرغم من هذا يعيراني بابتلاءاتي ولا يقفان بجانبي. أنا بفضل الله أقف على قدمي بفضل الله تعالى، وأعتبر هذه ابتلاءات أثاب عليها، ولكن وضع أهلي محزن جدا، والمشاكل محزنة، أصبحت أنفجر فيهما انفجارا شديدا، وصل للضرب أحيانا. وكنت أندم، وأحاول أن أطلب السماح وأبرهما، ولكن حاليا المشاكل تزداد وتزداد وتزداد. ماذا أفعل؟ وكيف أقوى على الحياة بكل هذا التعب؟ وهل دعاؤهما علي مستجاب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يهديك، ويصلحك، ويشرح صدرك، ويتوب عليك مما وقعت فيه مما وصفته بعدم البر بالوالدين.
والعجب منك كيف تحرصين على قيام الليل وأوراد الذكر، وتفرطين في واجب من أعظم الواجبات، وقربة من أفضل القربات، وتقعين في محرم من كبائر المحرمات! فحق الوالدين عظيم ولو أساءا أعظم الإساءة، فقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، وراجعي الفتاوى: 103139 ، 101410، 68850
ولا ريب في كون رفع الصوت على الوالدين، والإغلاظ لهما في القول محرم، فضلاً عن ضربهما، فأي عقوق أشد من هذا العقوق؟ وأي إساءة أعظم من تلك الإساءة؟!
وعقوق الوالدين من الكبائر، ففي الصحيح عن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ-: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ»
ومن عقوبات العقوق سخط الله على العاق، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
ومنها أن تعجل له العقوبة في الدنيا، قال البخاري في الأدب المفرد: باب عقوبة عقوق الوالدين: عن أبي بكرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجَّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةُ، مَعَ مَا يُدَّخَرُ له، من البغي، وقطيعة الرحم.
فالواجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله مما وقعت فيه من عقوق والديك، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود، وطلب العفو من الوالدين.
واجتهدي في برهما، واحذري من الإساءة إليهما برفع الصوت عليهما أو إغلاظ الكلام لهما، واحرصي على مخاطبتهما بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، قال تعالى: .. فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. {الإسراء: 23-24}.
قال القرطبي: (وقل لهما قولا كريما) أي لينا لطيفا، مثل: يا أبتاه ويا أمّاه من غير أن يسميهما، ويكنيهما. قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما. ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب، للسيد الفظ الغليظ. الجامع لأحكام القرآن.
وجاهدي نفسك، واستعيني بالله على الصبر وحسن الخلق عامة، ومع الوالدين خاصة، فإنّ الأخلاق تكتسب بالتعود والتمرين. فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم. ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه.
ومما يعينك على ذلك: أن تجتهدي في تحصيل أسباب زيادة الإيمان وانشراح الصدر، وقد بينا بعضها في الفتاوى:118940، 26806، 50170 فراجعيها.
وللفائدة، ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.