عنوان الفتوى : إجابات شافية حول اتباع الطريقة التيجانية وأشباهها
لقد كانت لي محادثة مع شخص مسلم سني، لكنه يتبع الطريقة التيجانية. نظرا لعدم معرفتي بهذه الطريقة، قمت بالبحث في مكتبة الفتاوى لديكم -جزاكم الله خيرا على مجهوداتكم-؛ فوجدت بعض الإجابات. عندما قمت بالتوضيح أن اتباع هذه الطريقة ليس بالصواب، ويجب العدول عن ذلك، أعطاني إجابات لم أستطع التعقيب عليها؛ فمستواي من الفهم الديني لا يسمح لي بذلك؛ لذلك فكرت باللجوء إليكم بتوفيق من الله تعالى، أرجو منكم الإجابة على كل نقطة على حدة: 1- قبل أن يسلك الطريقة التيجانية، قام بصلاة الاستخارة، ورأى بعدها في المنام تيجانيين يقولون له: هذه هي الطريقة الصحيحة التي يجب اتباعها؛ لتصل لدرجة الإحسان وتزكية النفس، مع العلم أنه في السابق كان معارضا؛ فقد قال: لا يمكن لله سبحانه وتعالى أن يضع عبده في الطريق غير الصحيح، بعد طلب العون منه، واستخارته. 2- منذ بدأ اتباع هذه الطريقة أصبح أكثر تدينا وذكرا، ومحافظا على الصلاة في أوقاتها، وفي المساجد. وتغيرت طباعه للأفضل بشهادة الجميع. وبالتالي لو كان يسلك الطريق الغلط، لما كان قد تغير نحو الأفضل في حياته؟ 3- مع مداومته على صلاة الفاتح وغيرها من أدعيتهم الخاصة، يحس بوقعها الإيجابي في حياته يوما بعد يوم. 4- هو بالنسبة له لا يقوم بأي غلط، فهدفه التقرب إلى الله عز وجل أكثر؛ فهو لا يقوم بأي طقوس شركية، ويعظم الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن المستحيل أن يساوي بينه وبين الشيوخ الذين ينتمي إليهم. أرجو منكم الإفادة على كل نقطة، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوضوح الجواب على هذا السؤال، يكون بقدر معرفة المرء بأصول الإسلام وفروعه، ومصادر تلقيه ومناهج استدلاله، وإلا يبقى الرد على تفاصيل الضلال للطرق المنحرقة، والفرق الضالة، فيه عوز ونقص!
فمثلا: معرفة أصل اكتمال التشريع بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الأحكام الشرعية لا تُتلقى من بعده إلا من النقل المأثور عن الوحي المعصوم: كتابا وسنة. من أحكم هذا الأصل، وعرف أدلته الشرعية، لا يمكن أن يجعل المنامات مصدرا للأحكام الشرعية، ولا يمكن أن يصدق بأن الأولياء يلتقون برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة، لقاء حسيا، ويأخذون عنه مباشرة، ولا يمكن أن يقبل بالبدعة وممارستها، وإن تحولت له بها الجبال ذهبا، ووجد لها أثرا نفسيا أو ماديا يرتضيه.
فالدين ليس بالأهواء، ولا بالدعاوى، ولا بالأذواق، ولا بالمواجيد، وإنما هو الأخذ بكتاب الله، وبالنقل الصادق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباتباع آثار الصحابة الكرام الذين زكاهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم!!
وراجع بشأن الطريقة التيجانية، الفتويين التاليتين: 240694، 139109 وما أحيل عليه فيهما.
وأما بشأن الرد على النقاط الواردة في السؤال، فنقول باختصار:
1- صلاة الاستخارة إنما تكون في الأمور المشروعة، وليس منها سلوك طريقة مبتدعة منحرفة! كتب علماء الإسلام في بيان انحرافها مجلدات ومجلدات، والاستخارة إنما تكون نافعة للمستخير إذا فعلها على الوجه المشروع، وفوض أمره في الاختيار إلى الله تعالى، ولم يكن له هوى سابق في الأمر المستخير فيه، وراجع للفائدة، الفتاوى التالية أرقامها: 57315، 79800، 96413.
ثم الاستخارة إنما هي دعاء، فلا بد من أن يراعي المصلي انتفاء الموانع، وتوفر شروط الإجابة، كما أشرنا إليه في الفتوى رقم: 185717.
وراجع لمعرفة موانع وشروط وآداب الدعاء، الفتاوى التالية أرقامها: 11571، 71758، 232450.
وليست الرؤى بعد الاستخارة مما يعتمد عليه في الفعل أو الترك، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 11052، 26141، 64112.
ثم ما يدريه أن هؤلاء الأشخاص الذين رآهم في منامه إنما هم من الشياطين، ولأهل الضلال من الأحوال الشيطانية ما يلتبس أمره على كثير من الناس، وراجع في هذه القضية المهمة رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية: (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان).
ومما قال فيها: ومنهم من يرى عرشا في الهواء، وفوقه نور، ويسمع من يخاطبه ويقول: أنا ربك، فإن كان من أهل المعرفة، علم أنه شيطان فزجره واستعاذ بالله منه، فيزول. ومنهم من يرى أشخاصا في اليقظة يدعي أحدهم أنه نبي، أو صديق، أو شيخ من الصالحين، وقد جرى هذا لغير واحد. ومنهم من يرى ذلك عند قبر الذي يزوره، فيرى القبر قد انشق وخرج إليه صورة، فيعتقدها الميت، وإنما هو جني تصور بتلك الصورة. ومنهم من يرى فارسا قد خرج من قبره أو دخل في قبره، ويكون ذلك شيطانا، وكل من قال: أنه رأى نبيا بعين رأسه، فما رأى إلا خيالا. ومنهم من يرى في منامه أن بعض الأكابر، إما الصديق -رضي الله عنه- أو غيره، قد قص شعره، أو حلقه، أو ألبسه طاقيته، أو ثوبه، فيصبح وعلى رأسه طاقية، وشعره محلوق، أو مقصر، إنما الجن قد حلقوا شعره أو قصروه، وهذه الأحوال الشيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة، وهم درجات. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 118569.
وأما قول هذا الشخص: (لا يمكن لله سبحانه وتعالى أن يضع عبده في الطريق غير الصحيح، بعد طلب العون منه واستخارته) فهذه دعوى يمكن لأي أحد ادعاؤها! فيستدل على صحة دينه أو مذهبه بأنه طلب من الله الهداية واستعان به، فهداه الله لما هو عليه، فلا بد أن يكون حقا!!! ولا يخفى ما في ذلك من المجازفة، والحكم والقول على الله بغير علم.
وقد سبق أن أشرنا إلى أن للدعاء شروطا لا بد أن تتوفر، وموانع لا بد أن تنتفي، ثم بعد ذلك يرجو العبد الخير من ربه، ولكنه لا يدري متى وكيف يحصل.
2- كثرة الذكر وبعض أنواع التعبد، وتحسن الحال في معاملة الناس، ليست دليلا على إصابة الحق، فإن الشيطان يزيد صاحب البدعة اجتهادا من باب التلبيس عليه وعلى غيره، ولأنه لا يزداد باجتهاده من الله إلا بعدا، فمعيار الإصابة هو موافقة الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وليس بزيادة أنواع من التعبد وإن كانت صحيحة في ذاتها. وانظر إلى حال الخوارج الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا أصحابه الكرام -رضي الله عنهم-: يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. رواه البخاري ومسلم. فكيف بمن كانت عباداته أنواعا من البدع المردودة.
وصدق ابن القيم -رحمه الله- إذ قال: كل عمل بلا اقتداء، فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعدا؛ فإن الله تعالى إنما يُعبد بأمره، لا بالآراء والأهواء. اهـ.
هذا مع مراعاة أن جنس البدعة شر من جنس المعصية، وبالتالي لا يبالي الشيطان إذا أدخل العبد في بدعة مضلة، أن يعينه على أنواع أخرى من العبادات الفرعية. وانظر الفتوى رقم: 365368.
3- ومن هذا الجنس: مداومته على صلاة الفاتح وغيرها من أدعة التيجانية المبتدعة، فلا اعتبار بما سماه السائل بالوقع الإيجابي في حياته! وراجع في هذه الصلاة البدعية، الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 31137، 22508، 56488، 27055.
4- حسن النية وسلامة القصد، لا تجدي عن صاحبها شيئا إن أخطأ الطريق الحق، كحال بعض النصارى، ممن تبتل وانقطع في صومعة يعبد الله على طريقته، وعمله مردود وسعيه غير مشكور، وله نصيب من قول الله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103، 104]، وقوله سبحانه: فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف: 30] وقوله عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: 36، 37].
قال السعدي في تفسيره: {وَمَنْ يَعْشُ} أي: يعرض ويصد {عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده، فمن قبلها، فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب، ومن أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبدا، وقيَّض له الرحمن شيطانا مريدا، يقارنه ويصاحبه، ويعده ويمنيه، ويؤزه إلى المعاصي أزا {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} أي: الصراط المستقيم، والدين القويم. {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له، وإعراضهم عن الحق، فاجتمع هذا وهذا. فإن قيل: فهل لهذا من عذر، من حيث إنه ظن أنه مهتد، وليس كذلك؟ قيل: لا عذر لهذا وأمثاله، الذين مصدر جهلهم الإعراض عن ذكر الله، مع تمكنهم على الاهتداء، فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه، ورغبوا في الباطل، فالذنب ذنبهم، والجرم جرمهم. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 296701.
والله أعلم.