عنوان الفتوى : الأصل في العقود الحظر أم الإباحة؟
أعمل كمبرمج مستقل وأتعاقد مع زبائني على أن أقوم بإرسال فاتورة في نهاية الشهر بعدد الساعات التي أعملها على المهام التي يوكلونها لي ويقومون بدفعها لي خلال شهر على حسب الأجرة بالساعة التي اتفقنا عليها، فمثلا لو اتفقنا على أن أجرتي 50 دولارا في الساعة، وإذا عملت على مشروعهم 100 ساعة في شهر ما، أرسل لهم فاتورة بقيمة 5000 دولار في نهاية الشهر.. وعلاقتي معهم مستقلة ـ فلي شركة منفصلة ـ وقد يوجد لدي عدة زبائن، وإحدى الشركات تعاقدت معي على أن أقوم بالعمل على مشروعهم 24 ساعة في الأسبوع ـ أي 3 أيام عمل في الأسبوع ـ لكنهم لا يعطونني من المهام ما يكفي 3 أيام، فطلبت من المشرف أن يعطيني مهام إضافية، وأحيانا يستجيب ويعطيني مهام لكنها قصيرة ولا تكفي 24 ساعة كاملة، وحيث إنني أرسل فاتورة بعدد الساعات التي عملتها ففي كثير من الأحيان تكون الفاتورة أقل بكثير من 24 ساعة في الأسبوع.. حيث أصبح ربحي أقل بكثير من المتوقع... فطلبت استراحة شهر من العمل على مشروعهم ووجدت زبونا آخر فتواصلت معي الشركة مرة أخرى لأستمر في العمل معهم فاشترطت عليهم أن يتم إعادة صياغة العقد بحيث أضمن لهم العمل 16 ساعة في الأسبوع وأن الحد الأدنى للفاتورة سيكون ثابتا على هذا أساس بغض النظر إن كانت المهام التي أوكلت لي استغرقت مني 16 ساعة أسبوعيا أو لا.. مثال: لو كان الشهر 4 أسابيع وأجرتي 50 دولارا للساعة، فستكون فاتورتي 16 × 4 × 50 = 3200 دولار على الأقل، وهذا هو الحد الأدنى حتى ولو لم يتم تكلفي بأي مهمة وستكون لقاء ضمان وجودي للعمل 16 ساعة أسبوعيا، لكن إذا تم تكليفي بمهام واستغرقت مني أكثر من 16 دولارا أسبوعيا فستزداد الفاتورة بالمقدار الذي تجاوز الحد الأدنى من الساعات، فما صحة اشتراطي لهذا الشرط في العقد؟. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في اشتراط مثل هذا الشرط، والأجرة هنا معلومة، وهي: 3200 دولار ـ نظير تخصيص مدة معينة وهي: 16 ـ ساعة في الأسبوع ـ وما زاد على ذلك كان بحساب الساعات، لكل ساعة 50 دولارا، والأصل في الشروط الجواز والصحة، ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: القاعدة الثالثة في العقود والشروط فيها فيما يحل منها ويحرم وما يصح منها ويفسد، ومسائل هذه القاعدة كثيرة جدا والذي يمكن ضبطه منها قولان:
أحدهما: أن يقال الأصل في العقود والشروط فيها ونحو ذلك: الحظر، إلا ما ورد الشرع بإجازته، فهذا قول أهل الظاهر، وكثير من أصول أبي حنيفة تبنى على هذا، وكثير من أصول الشافعي وأصول طائفة من أصحاب مالك وأحمد...
القول الثاني: أن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل على تحريمه وإبطال نص أو قياس عند من يقول به، وأصول أحمد ـ رضي الله عنه ـ المنصوص عنه أكثرها تجري على هذا القول، ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحا للشروط منه.. اهـ.
وأفاض ـ رحمه الله ـ في تفصيل هذه المسألة ومناقشتها وإيراد أمثلة لها، ونصر القول الثاني، وقال: إذا كان حسن الوفاء ورعاية العهد مأمورا به علم أن الأصل صحة العقود والشروط، إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره وحصل به مقصوده، ومقصوده هو الوفاء به، وإذا كان الشرع قد أمر بمقصود العهود دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة... اهـ.
وقال في موضع آخر: تصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود. اهـ.
والله أعلم.