عنوان الفتوى : أحكام ومسائل ورد شبهات حول الكلب
أود اقتناء كلب ليبقى صاحبي الوفي، إلا أن الناس يقولون إنه نجس ويطرد الملائكة من البيت، سألت أحدا على منتدى عن الكلب فقال لي هناك أناس يصدقون أن الكلب نجس... ويستدلون بالأحاديث، ومنها ما روي عن البخاري ومسلم، وكل الأحاديث التي نقلت عن هؤلاء الرواة أغلبها غير صحيح ومشكوك في صحته وصدقه، والبخاري لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل الأحاديث تقول إن البخاري سمع رسول الله يقول: البيت الذي فيه كلب لا تدخله الملائكة، وهناك أحاديث مكذوبة وضعيفة وإسرائيليات، والشيء الذي لا يشك مخلوق في صحته هو القرآن الكريم، ولا يوجد فيه حرف يحتمل معنيين، فهل في القرآن الكريم آية واحدة تقول إن الكلب نجس أو يطرد الملائكة.... وربنا ذكره وكرمه في كتابه العزيز مع أهل الكهف، والقرآن يقول إن الصيد الذي يصطاده الكلب حلال طيب، فكيف يكون عليه لعاب نجس؟ وإذا كان الكلب نجسا ولعابه نجس ونقول إنه ينقض الوضوء، فلماذا ربنا لم يذكره من نواقض الوضوء؟ وربنا غفر للزانية التي سقت الكلب في خفها، والإمام الغزالي كان عنده كلب في بيته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي التفرق بين مسألة نجاسة الكلب، ومسألة اقتنائه، فنجاسة الكلب قد اختلف فيها أهل العلم، والراجح فيها هو القول بالنجاسة، وإليه ذهب جمهور العلماء، وانظر الفتويين رقم: 4993، ورقم: 136554، وإحالاتها.
وأما اقتناء الكلب: فيجوز لحاجة الحراسة والصيد، وأما اقتناؤه دون حاجة، فلا يجوز باتفاق الفقهاء، جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز اقتناء الكلب إلا لحاجة... اهـ.
وعموما، فالقائلون بطهارة الكلب لا يقولون بجواز اقتنائه مطلقا، كما أن القول بنجاسة الكلب لا يستلزم منع اقتنائه لحاجة مشروعة، وانظر الفتوى رقم: 39391، وما أحيل عليه فيها.
وقد بسطنا القول في رد الشبهات التي تثار حول السنة النبوية في الفتاوى التالية أرقامها: 137308، 199637، 204400، 43428، 8406.
وبخصوص المكانة العالية لصحيحي البخاري ومسلم وتلقي الأمة لهما بالقبول راجع فتوانا رقم: 132912، وإحالاتها.
وأما ادعاؤه أن البخاري يقول في صحيحه إنه سمع رسول الله يقول.... فهذا لا وجود له في صحيح البخاري، وحاشا البخاري أن يتفوه بذلك، لكن إن كان يقصد قول البخاري في معلقاته: قال رسول الله..... فقد تقدم الكلام عن معلقات البخاري في الفتوى رقم: 3925.
وتصحيح وتضعيف الأحاديث إنما يتم وفق أسس معلومة وقواعد منهجية معلومة لدى المختصين بعلوم الحديث، وقد أفنى المحدثون أعمارهم في تمييز المقبول من المردود، وبيان أنواعه وتفاوت رتبه، وبذلوا في سبيل ذلك جهودا مضنية، وبالرجوع إلى ما استخلصوه في هذا الفن يستطيع عوام المسلمين التمييز بين الصحيح وغيره، وانظر الفتويين رقم: 18973، ورقم: 11828.
وراجع بشأن الإسرائيليات الفتاوى التالية أرقامها: 148427، 109681، 51576.
وأما بشأن الاستدلال بالقرآن الكريم عموما، وقوله إنه لا يحتمل التكذيب أو الشك فهذا حق، لأنه قطعي الثبوت، ولكن لا يصح قوله إنه لا يوجد فيه حرف يحتمل معنيين، فإن القرآن الكريم منه ما هو قطعي الدلالة، ومنه ما هو ظني الدلالة، ومنه المحكم، ومنه المتشابه، ولذلك تأتي السنة مفسرة للقرآن ومبينة له، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 275845، 299776، 63815، 28205.
وبخصوص الاستدلال بالقرآن على مسألة طهارة الكلب أو عدمها، فالقرآن لم يتعرض لها، لا نفيا ولا إثباتا، ولا تلازم بين ذكر الكلب في قصة أصحاب الكهف والحكم بطهارته، ثم إن الكلب لم يكن بداخل الكهف وإنما كان خارجه، وانظر الفتوى رقم: 147515.
وبشأن ما يصيب الصيد من لعاب الكلب راجع فتوانا رقم: 46300.
ولا تلازم بين الإحسان إلى الكلب وبين طهارته أو اقتنائه وإدخاله البيت، وهناك فرق بين الإحسان المشروع إلى الكلاب وبين اتباع العادات الدخيلة على المسلمين في هذا الباب، وانظر الفتويين رقم: 122712، ورقم: 46235.
وأما نقض الوضوء بملامسة الكلب: فلا نعلم قائلا به، وانظر الفتوى رقم: 120157.
وأما ما ذكره عن الغزالي: فلا نعلمه، وعلى تقدير ثبوته فيحتمل أنه كان كلبا مأذونا في اتخاذه، إحسانا للظن بأهل العلم.
والحاصل أن كل ما ذكره ذلك الشخص في المنتدى غير ناهض للاحتجاج أصلا، فضلا عن معارضته للأدلة الصريحة والصحيحة، وننصح أنفسنا وإياه وسائر المسلمين أن يكون الحق هو غايتنا، والدليل هو رائدنا، وأن نستدل على الأحكام قبل أن نعتقد، لا أن نعتقد ثم نستدل، فإن الدليل متبوع لا تابع.
والله أعلم.