عنوان الفتوى : حديث الآحاد.. معناه... ووجوب العمل به
السادة أصحاب الفضيلة بعد التحية نرجو إفادتناعن معنى أحاديث الآحاد وحكم العمل بها وحكم من أنكر السنة القولية مدعيا أن ما ورد في القرآن يكفينا ونرجو بعض الأمثلة لأحاديث الآحاد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآحاد في اللغة جمع أحد، والأحد قد يكون بمعنى: الذي لم يزل وحده، ولم يكن منه آخر. وهو بهذا المعنى اسم من أسماء الله تعالى. وقد يكون بمعنى الواحد، وهو أول العدد، وأصل اشتقاق الآحاد من هذا القبيل. وقد عرف خبر الآحاد في الاصطلاح بتعريفات مؤداها متقارب إن لم يكن متطابقاً، فقيل هو: خبر لا يفيد بنفسه العلم، وقيل هو: ما يفيد الظن، وقيل: ما لم يجمع شروط التواتر. والآحاد: تشمل المشهور والعزيز والغريب.
ووجوب العمل بخبر الواحد قد تضافرت عليه الأدلة من كتاب وسنة، وهو مذهب الصحابة رضي الله عنهم، ومذهب تابعيهم بإحسان. فقد عمل الصحابة بالآحاد وحاجّوا بها في وقائع خارجة عن العد والحصر من غير نكير منكر ولا مدافعة دافع، فكان ذلك منهم إجماعاً على قبولها وصحة الاحتجاج بها. ومن أشهر ما يمثل به علماء المصطلح لخبر الآحاد حديث: " إنما الأعمال بالنيات" حيث تفرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتفرد علقمة بن وقاص الليثي بروايته عن عمر وتفرد محمد بن إبراهيم التيمي بروايته عن علقمة وتفرد يحى بن سعيد الأنصاري بروايته عن عمر بن إبراهيم، قال الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر: وقد وردت لهم متابعات لا يعتبر بها.
ومن الأدلة على قبول خبر الواحد قوله تعالى: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين…) والطائفة قد تطلق قطعاً على ما لم يبلغ الحد الذي يعتبر في المتواتر، بل إنها قد تطلق على واحد، فلو لم يكن خبر الواحد حجة لما كان في حث الله تعالى لطائفة على النفرة للتعلم والإنذار معنى، وممتنع أن يحث الله عز وجل على ما لا فائدة فيه، فدل على أن الحجة قائمة بخبر الواحد.
أما الدليل على قبول خبر الواحد من السنة فبعثه صلى الله عليه وسلم إلى الآفاق معلمين وداعين، كمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري ودحية بن خليفة الكلبي، ولو كان خبر الواحد لا تقوم به حجة لكانت بعثته لهم صلى الله عليهم وسلم عبثاً والله أعلم.
أما من أنكر وجوب العمل بما استوفى شروط الصحة من السنة: قولية أو فعلية أو تقريرية فهو كافر مرتد، لإنكاره معلوماً من الدين بالضرورة. يقول الإمام السيوطي في كتابه مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة: "فاعلموا رحمكم الله أن من أنكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة، كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء من فرق الكفرة".
ومن أعظم ما أحتج به أئمتنا على بطلان هذا المذهب وفساده ما أخرجه البيهقي بسنده عن شعيب بن أبي فضالة المكي أن عمران بن حصين رضي الله عنه ذكر الشفاعة، فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد إنكم تحدثوننا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمران رضي الله عنه وقال للرجل: قرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً، ووجدت المغرب ثلاثاً، والغداة ركعتين، والظهر أربعاً، والعصر أربعاً قال: لا. قال: فعن من أخذتم ذلك؟ أخذتموه وأخذناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر أشياء في أنصبة الزكاة، وتفاصيل الحج وغيرهما، وختم بقوله: أما سمعتم الله قال في كتابه: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) قال عمران: فقد أخذنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أِشياء ليس لكم بها علم" .
وهذا استلال غاية في القوة والبيان، ولولا خشية الإطالة لذكرنا من وجوب استدلال أئمتنا على بطلان هذه الفرية، ما لا يبقى لأهل البدع بعده مستمسك، وفيما ذكرنا لمريد الحق ما يكفيه. وفي الأخير ننبهه إلى خطأ وخطر تسمية منكري السنة بالقرآنيين!! فما هم بقرآنيين، ولو كانوا كذلك لما أنكروا ما أوجب الله اتباعه، بل هم كما سماهم أئمتنا أهل الزيغ والزندقة، والعياذ بالله.
والله أعلم.