عنوان الفتوى : أحكام ووصايا لحل المشكلات الزوجية
أكتب هذه السطور وأنا في أقصى حالات الألم والعذاب لما آلت إليه حالتي، فأنا سيدة متزوجة منذ عشر سنين برجل أنا وهو على طرفي نقيض أفكارنا متناقضة جدا... فأنا أعشق الدراسة ولا أمل منها أبدا وأهدف إلى تطوير وضعي والعمل، وهو يرى أن المرأة للبيت فقط، حاولت مرارا أن أغير من نفسي لأتلاءم معه، لكنني لا أستطيع كبح ثورة نفسي وطموحها للأفضل، وكان هذا يسبب التنافر بيننا، وهو غير قادر على فهمي بل ويحتقر طريقة تفكيري، وأنا غير قادرة على التغير لأناسبه شيئا فشيئا، وبدأت أنفر منه عندما لاحظت أنه لا شيء مني يعجبه غير الجسد... ويكرر أنه رجل شرقي وامرأته تأكل وتشرب وتنام، ولا تسأل عن شيء آخر في الحياة، حاولت أن أشرح له ما أعانيه من نفور، وشرحت له بوضوح ما أحتاجه منه كرجل لم يشبع مشاعري وأحاسيسي يوما، فهو يطلب ولا يعطي... حدثت نفسي مرارا بالطلاق وقلت له إنني لم أعد أحتمل وأريد أن أذهب إلى بيت أهلي، فكان يعد بالتغيير، ولا أرى شيئا، فنعود كما كنا، كما أن الأولاد صعبوا مسألة الفراق ومؤخرا تعرفنا على زوجين وبدأت العلاقة بيننا تتطور لدرجة أننا أمضينا أياما عدة في منزل واحد كلنا في إحدى العطل، وكان ذلك الرجل يعبر عن إعجابه بإصراري على الدراسة وأفكاري، وكان هذا يزعج زوجي، وكنا نتحدث كثيرا في مجال الدراسة الذي أشترك فيه مع ذلك الرجل وشيئا فشيئا بدأت أرتاح لهذه المحادثات، وكنت أشعر أن الأمر عادي، فكل شيء أمام زوجي وزوجة ذلك الرجل، ولا أدري كيف تطورت الأمور حتى بدأ يرسل لي رسائل خاصة في هاتفي كانت كلها حول الإعجاب والمدح، والمصيبة أنني قبلت هذا، وفي يوم وجد زوجي تلك الرسائل فانقلبت حياتي جحيما.. فزوجي لم يطلقني، لكنه جعلني أعيش في عذاب نفسي لا أطيقه، فأنا في نظره مجرمة زانية، لأنه لا يريد أن يصدق أنني لم أرتكب الفاحشة ويصر في كل يوم أنني زنيت ويسمعني أقسى كلام، ولا يحق لي الكلام بحضرته أبدا، طلبت منه أن يطلقني، فأنا أدري أنني بمجاراة ذلك الشخص ارتكبت منكرا كبيرا، لكنني تبت إلى الله وأستغفره كل يوم لعله يعفو عني، أدري أنني أستحق العقاب، وتحت هذه الظروف بدأت أفكر في وضع حد لحياتي، لأنني لا أتحمل العيش هكذا، ولا أتحمل الفضيحة، فماذا أفعل؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج همك وينفس كربك وييسر أمرك ويصلح ما بينك وبين زوجك، ونوصيك بالتوجه وحسن الالتجاء إليه سبحانه، فهو مجيب دعوة المضطر وكاشف الضر، قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.
ومن الأدعية التي تناسب المقام الذي أنت فيه ما رواه أحمد وأبو داود عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت.
وإضافة إلى الدعاء استعيني بالصبر، فهو مفتاح للخير، وله كثير من العواقب الحميدة في الدنيا والآخرة، وراجعي في فضله الفتوى رقم: 18103.
ونوصي أيضا بالحرص على الحوار والتفاهم، فإن هذا أدعى للوفاق وأبعد عن أسباب الخلاف، ويمكنك أن تستعيني ببعض من هم مقربون إلى زوجك ليحاولوا إقناعه بأن يأذن لك في الدراسة والعمل بالقدر الذي لا يتنافى مع أحكام الشرع، ولا يترتب عليه التفريط فيما يجب عليك تجاه زوجك وأولادك، ولمعرفة حقوق كل من الزوجين على الآخر راجعي الفتوى رقم: 27662.
فإن اقتنع زوجك فالحمد لله، وإلا فما عليك إلا الصبر، وإن فاتك ما تحبين من تحقيق رغباتك في التعليم والعمل، فلن يفوتك ـ إن شاء الله ـ ما هو أعظم من ذلك من رضا الله عز وجل وثوابه، ورضوانه والجنة، روى أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت.
وأخرج الإمام أحمد في المسند، والبيهقي في شعب الإيمان عن حصين بن محصن الأنصاري: عن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة لها، فلما فرغت من حاجتها، قال لها: أذات زوج أنت؟ قالت نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت ما آلو إلا ما عجزت عنه، قال: انظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك.
وأخرج الحاكم في مستدركه من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ـ ووافقه الذهبي.
وقد أحسنت حين تبت إلى الله تعالى مما أقدمت عليه من تواصل مع ذلك الرجل على وجه لا يشرع، ولا ينبغي لزوجك أن يعاتبك على ذلك ما دمت قد تبت، ولا يجوز له أن يتهمك بفعل الفاحشة بلا بينة، أو أن يجعل تلك الحادثة مثارا لاستفزازك أو الضغط عليك، وننبه بهذه المناسبة إلى أن هذا مما يستبين به خطورة الجلسات العائلية إذا لم تنضبط بالضوابط الشرعية، وسبق الكلام عنها في الفتوى رقم: 98295.
وقد ذكرت أنك تفكرين في وضع حد لحياتك، ولعلك تعنين الانتحار وقتل النفس، فإذا كان الأمر كذلك، فالعاقل لا يفكر في مثل هذا فضلا عن أن يقدم عليه، فذلك يعني الانتقال من شقاء زائل إلى شقاء أعظم، فقد ورد في قتل النفس وعيد شديد، وهو مضمن في الفتوى رقم: 10397.
وأنت في غنى عن هذا كله، فيمكنك أن تطلبي من زوجك الطلاق أو أن تخالعيه، إن استحالت العشرة وضاق بك الأمر ولم يصلح الحال، وإذا ترجحت مصلحة الفراق كان المصير إليه أولى، قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح، لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.
وإن قدر أن أقدم زوجك على ما هددك به من فضحك يمكنك استخدام التورية، فتنفي أصلا أنك لم يكن بك تواصل مع ذلك الرجل تعنين بعد التوبة، ففي المعاريض مندوحة عن الكذب، وإن اتهمك بفعل الفاحشة، فاقدمي على تبرئة نفسك ولو بالأيمان المغلظة وأنت صادقة فيها.
والله أعلم.