عنوان الفتوى : ثواب من مات غريبا عن بلده
فضيلة الشيخ حفظكم الله. والدي -رحمه الله، وأحسن إليه- ساءت حالته الصحية في الآونة الأخيرة، واستطاع أخي بفضل الله أن ينقله لبلاد الحرمين، حيث أجري عملية جراحية هناك، وتوفي على إثرها، وتم دفنه هناك، بالرغم من أن رغبة العائلة كانت شديدة بأن يعود جثمانه لسوريا، ولاسيما أن والدي ليس طاعنا في السن، فكان الأمر صعبا على الجميع. سؤالي يا شيخ: هل لغربة والدي هذه، ودفنه بعيدا عن أرضه، وأهله أجر وثواب خاص عند الله، بالرغم من أننا على قناعة أنه دفن في أطهر أرض، وفي بلاد المسلمين؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء، نسأل الله تعالى أن يأجركم في مصيبتكم، ويغفر لوالدكم، ويدخله الجنة، ويجمعكم به يوم القيامة في جنات ونهر، في مقعد صدق، عند مليك مقتدر.
وأما هل هناك ثواب خاص لمن مات بعيدا عن بلده وأهله؟ فقد جاءت بعض الأحاديث منها الحسن، ومنها الضعيف في هذا الشأن، ومن ذلك ما رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وابن حبان من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «يَا لَيْتَهُ مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ»، قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ، قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ» والحديث حسنه الألباني، وصححه أحمد شاكر.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: قيس له ما بين مولده، إلى منقطع أثره في الجنة.
قال السيوطي: قَالَ الطَّيِّبِيّ: المُرَاد أَنه يفسح لَهُ فِي قَبره مِقْدَار مَا بَين قَبره، وَبَين مولده، وَيفتح لَهُ بَاب الْجنَّة. اهــ.
وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين رواية أخرى توضح الجزاء أكثر: « وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: يَا لَهُ لَوْ مَاتَ غَرِيبًا، فَقِيلَ: وَمَا لِلْغَرِيبِ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ غَرِيبٍ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ، إِلَّا قِيسَ لَهُ مِنْ تُرْبَتِهِ، إِلَى مَوْلِدِهِ فِي الْجَنَّةِ» اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 69594.
ومما ورد في فضل الموت في الغربة، ما رواه ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَوْتُ غُرْبَةٍ شَهَادَةٌ. والحديث ضعف إسناده الألباني، وشعيب الأرناؤوط.
وقد قال المنذري في الترغيب: قَالَ الْحَافِظ: وَقد جَاءَ فِي أَن موت الْغَرِيب شَهَادَة، جملَة من الْأَحَادِيث لَا يبلغ شَيْء مِنْهَا دَرَجَة الْحسن فِيمَا أعلم. اهــ.
وقال ابن القيم عن حديث «مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ»: هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَثْبُتُ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. اهـــ.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 176137 عن دفن الميت في المكان الذي مات فيه.. رؤية شرعية، والفتوى رقم: 71487 عن نقل الميت من بلد إلى آخر ليدفن مع أقاربه.
ونوصيكم بالصبر، والإكثار من الاستغفار لوالدكم؛ فإن ذلك ينفعه بإذن الله، وانظر الفتوى رقم: 33828 عن وسائل بر الأبوين بعد موتهما.
والله أعلم.