عنوان الفتوى : تفضيل الرجال على النساء في الجنة... نظرة واقعية
أنا فتاة، وأود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد يكون الأليق بمن يفكر بمثل هذه الطريقة أن يرجع بالسؤال إلى الأصل، فيقول: لماذا خلق الله الخلق أزواجا، فمنهم الذكر ومنهم الأنثى، كما قال تعالى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى [النجم: 45]. ولماذا فاوت الله بينهم في الخلق، وفضَّل بعضهم على بعض، كما قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران: 36] وقال: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228] قال ابن كثير: أي: في الفضيلة في الخلق، والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء:34] اهـ.
حتى الرسل فاوت الله بينهم، وفضل بعضهم على بعض، كما قال سبحانه: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة: 253].
فإذا كان جواب المسلم على هذا التساؤل يقوم على التسليم لأمر الله، والرضا بحكمه، واليقين في عدله وحكمته، فكذلك الأمر في أحوال الآخرة، وقضاء الله عز وجل فيها. فشأن الله عز وجل وحكمته في قضائه وقدره، وحُكمه وشرعه: أعظم من أن يحيط المرء به علما، وأجلُّ من يُسأل عنه بـ: لماذا؟ كما قال تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء: 23].
والله تعالى هو أعلم بحال الرجل والمرأة، وما يصلح لكل منهما، وما ينفعه وما يليق به من أنواع النعيم في الجنة. فلا حاجة للانشغال بذلك، وإنما الحاجة كل الحاجة أن ينشغل الإنسان بما يقربه من الجنة، فإن دخلها، فله فيها اشتهت نفسه، ولذت عينه، فلا يبغي عنها حولا.
ولا نرى التفصيل مع جزئيات السؤال نافعا، بل قد يضر؛ لوضوح الأصل وغرابة استشكاله، فلم يختلف أهل العلم في كون المرأة في الجنة ليس لها إلا زوج واحد، لا تطمح لغيره، ولا تريد سواه، كما لم يختلفوا في أن التمتع بتزوج الحور العين قاصر على الرجال، وأن ذلك لا يكدر على زوجته من أهل الدنيا، ولا يخدش نعيمها، ولا ينقص قدرها، ولا يشوش فكرها، فإن أهل الجنة على قلب واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، كما جاء وصفهم في السنة: لكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا. رواه البخاري ومسلم. ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف: 42، 43].
وقد سئل الشيخ ابن باز: لماذا وعد الله الرجال في الجنة بالحور العين، ولم يعد النساء بشيء من ذلك؟ جزاكم الله خيرًا.
فأجاب: الحكمة في ذلك - والله أعلم - أن الرجال هم القوامون على النساء، وأنهم إذا وعدوا بهذه الأشياء صار هذا أقرب إلى نشاطهم في طلب الآخرة، وحرصهم على طلب الآخرة، وعدم ركونهم إلى الدنيا الركون الذي يحول بينهم وبين المسابقة إلى الخيرات، والنساء تابعات للرجال في الأغلب، فإذا رزق الرجل الحور العين في الجنة مع ما وعد الله به النساء المؤمنات من الخير العظيم، والدرجات العالية في الجنة، فلهن من الأجر ما يجعلهن زوجات للخيرين من الرجال في الجنة، والرجل يعطى زيادة من الحور العين، وليس في الجنة أذى ولا منافسة ولا ضرة، كما يفعل الضرات في الدنيا. اهـ.
وقد سبق لنا تناول موضوع السؤال في عدة فتاوى سابقة، فراجعي منها التالية أرقامها: 75647، 16675، 199939، 203548.
والله أعلم.