عنوان الفتوى : الزهد والغنى
كيف نوفِّق بين الدعوة إلى الزُّهد ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالغِنى وما كان عليه بعض الصحابة من غِنًى ؟
معنى الزهد في كلمة بسيطة: عدم امتلاك حبّ الدّنيا للقلب امتلاكًا يشغل الإنسان عن واجباته، حتى لا يكون كما عبّر الحديث الذي رواه البخاري:” تَعِس عبد الدينار والدّرهم والقطيفة والخميصة” .
والزهد بهذا المعنى لا ينافي أن يكون الإنسان عظيم الثروة وافر المال مع معرفته بحق الله عليه، وحق الفقراء وغيرهم في ماله، كما في الحديث الذي رواه أحمد:”نِعْمَ المالُ الصالح للعَبد الصالِح”.
لقد كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ من كبار الإغنياء، وأنفق أكثر أمواله في سبيل الدعوة ، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه الترمذي ” ما نفعني مال أحد ما نفعني مال أبي بكر”.
وعثمان بن عفان رضي الله عنه جهّز غزوة العسرة ” تبوك ” من ماله، وسُرَّ النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ بما قدّمه وقال:” ما ضَرَّ عثمان ما يفعل بعد هذا اليومِ، غفر الله لك يا عثمان ما أسررْتَ وما أعلنتَ وما هو كائن إلى يوم القيامة”.
وتبرّع عثمان أيضًا بتجارته للفقراء عام القَحط ولم يستجب لإغراء التجار له بالربح الوفير، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنفق كثيرا وقال له النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلم ـ ” بارَك الله لك فيما أعطيتَ وفيما أمسكتَ ” إلى غير ذلك من النماذِج الغنيّة التي لم يقل الرسول عنها إنها غير زاهدة في الدنيا، بل أثنى عليها خيرًا.
فالزهد ليس مقياسُه أو مظهره الفقر، فقد يكون الرجل فقيرًا لكنه حريص شرِهٌ جادٌّ في طلب الدنيا وإن لم ينل منها ما يريد. وللإمام القشيري في رسالته ” ص93 ” كلام كثير في معناه ومظاهره فليرجع إليه من أراد التوسع، ومن هنا نعرف أن الزهد بمعناه الصحيح يدعو إليه الإسلام، وبدون ذلك يكون مذمومًا. كمَن يؤثِرون الفقر وهم قادرون على الغني، وكمَن لا يتمتَّعون بنِعم الله وهي في أيديهم، فالله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وذلك في تواضع وشكر.