عنوان الفتوى : شروط استجابة الدعاء
إذا كان رب العزّة قال: ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) فلماذا أدعو كثيرًا ولا يَستجيب دعائي؟
أمرنا الله بالدعاء ووعد بالإجابة فقال سبحانه : ( وقالَ ربُّكُمْ ادْعونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (سورة غافر : 60)،
وذكر القرآن الكريم أن بعض النّاس دعَوا ربّهم فاستجاب لهم كقوله : ( وأيُّوبَ إذْ نادَى ربَّه أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمينَ فاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمةً مِنْ عِنْدِنَا وذِكْرَى للعَابِدِينَ) (سورة الأنبياء : 83 ، 84) ،
وقوله : ( وزَكَرِيّا إذْ نادَى رَبَّه رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وأَنْتَ خَيْرُ الوارِثِينَ فاسْتَجَبْنَا لَهُ ووَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه)(سورة الأنبياء: 89 ، 90) ،
وكقوله في غزوة بدر ( إذْ تَستغِيثونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِألْفٍ مِنَ المَلائِكةِ مُرْدِفِينَ) (سورة الأنفال : 9) .
إذا كان هذا كلام الله وهو صادِق في الاستجابة لمَن يدعوه، فمَا هو السِّرّ في أن بعض الناس يدعون ولا يستجاب لهم؟
والجواب : أن الطّبيب إذا وصف دواءً قد يكون مركَّبًا من عدة موادّ، ولا يكتفي بذلك يبين للمريض كيفيّة الاستعمال بتحديد المواعيد وتحديد ما يتناول من طعام وما يمتنع عنه، ولو نفذ المريض كل ذلك كان هناك أمل كبير في الشفاء، وبخاصة إذا كان الطبيب مختصًّا وثقة المريض به قويّة .
لقد ذكر الله حوادث في استجابة الدعاء من مثل أيّوب ، وزكريا ، وذي النون ، ولكن ذكر عقب ذلك مباشرة لماذا كان دعاؤهم وسيلة لكشف ما بهم من ضر وتحقيق ما يَرجون من خير فقال : ( إنَّهُمْ كَانُوا يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ ويَدْعونَنَا رَغَبًا ورَهَبًا وكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)(سورة الأنبياء: 90) .
لابد من امتثال أوامر الله كلّها من عبادات وغيرها ، مع إقبال النفس عليها والحبّ لها ، ولابد أن يكون الدعاء خالصًا صادرًا من أعماق النفس ، مع استشعار عظمة الله ولطفه ورحمته ، ومع خوفه العظيم أن يرده خائبًا ، وأن يكون ذهنه حاضِرًا غير شارد ، مركزًا غير مشتت ، ومن تمام المسارعة في الخيرات البعد عن الحرام ، فالحرام من أخطر العوائق التي تحول دون استجابة الدعاء ، وقد صح في الحديث : ” أن الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر يمُدُّ يديه إلى السماء ويقول: يا ربّ يا ربّ، ومَطعمه حرام ومَلبسه حرام فأنَّى يُستجاب له” رواه مسلم.
وكان من وصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لسعد بن أبي وقاص أن يُطيبَ مطعمه ليستجيب الله دعاءه كما رواه الطبراني .
وإذا كان الداعي على هذه الصفة المطلوبة ولم يستجب له حالاً بما دعا إليه ، فلا يقل: دعوت فلم يستجب لي، فالحديث يقول : ” يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي” رواه البخاري ومسلم .
وإذا تأخّرت الاستجابة بالمطلوب فقد تكون الاستجابة ببديل خير منه ، وقد تدخر ليوم القيامة وذلك أفضل من متعة الدنيا الزائلة ، فقد روى أحمد والبزار وأبو يعلي بأسانيد جيدة عن أبي سعيد الخدري أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ قال : ” ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا : إذًا نكثر، قال:” الله أكثر” وروى أحمد والترمذي وقال حسن صحيح قريبًا من ذلك.
هذا ، وقد وجه سؤال إلى الصوفي إبراهيم بن أدهم : ما لنا ندعو فلا يُستجاب لنا ؟ فأخبرهم أنّهم قصّروا في طاعة الله وارتكبوا معاصيه .
وذكر أمثلة لذلك، وكلها وغيرها يدلُّ على أن الداعيَ لابد أن يُرضِيَ الله أولا حتى يكافِئَه الله بقبول دعائه، وأن يكون قويَّ الإيمان والرجاء والثقة في استجابة الدعاء، وألا يشكَّ في وعد الله، بل الأولى أن يشكّ في نفسه هو، هل أدى الواجب لله أم لا؟ والموضوع مبسوط في كتب الحديث والأخلاق يرجع إليها من يريد الاستزادة .