عنوان الفتوى : على الزوج أن ينفق على زوجته وعلى ولده منها ولو كانت غنية
أنا طبيبة متزوجة من طبيب زميل لي منذ حوالي 3 سنوات، وخلافاتنا كثيرة جدًّا؛ فهو غير منتظم في صلاته، ونصحته كثيرًا دون جدوى، وعند حدوث خلافات يستخدم ألفاظًا نابية، ويسبّ أحيانًا الأب والأم، وقام بضربي عدة مرات، وطلب مني أن أسامحه، وسامحته كثيرًا، وأخفيت الأمر عن أهلي رغم ضربه لي وأنا حامل، إلى جانب أنه يحادث فتيات على الإنترنت، والهاتف، وقد علمت بذلك أكثر من مرة، ولم أخبر أحدًا، وسامحته لوجود ودّ سابق بيننا. في شهر رمضان كان يتحدث عن أنه يصرف كثيرًا على المنزل، مع العلم أنه منذ زواجنا يمكث مع أهله 3 أيام أسبوعيًّا، ويداوم على ذلك لأنه من محافظة أخرى، ووالده متوفى، ولا أعترض على ذلك، وأكون فيهم أيضًا عند أهلي، ولا ينفق شيئًا على المنزل في ها، ولا يعطيني أي مال؛ وبالغ في الحديث عن ضرورة مشاركة الزوجة بمالها في المنزل، مع العلم أني رزقت بطفلة، ولم يشتر لها أي شيء من ملبس منذ ولادتها، أما الطعام فمنذ ولادتها أحضره لها مرتين، وأعطاني ثمنه مرة (أي: ما يكفيها عشرة أيام)، رغم أنه يتقاضى راتبًا أكبر من راتبي، وكثيرًا ما أشتري الكثير من الأشياء، والطعام بالمنزل من مالي، ولا أطالبه بشيء. أصر ذلك اليوم أن أقرأ مشكلة على الإنترنت عن زوجة سلب زوجها مالها الذي عملت به بالخارج ليكتبه باسمه، وأجبرها على نصف النفقات بالمنزل أيضًا، والجميع ينصحونها بالبقاء معه، فرفضت أن أقرأ، وقلت له: إنه زوج سارق، ولا أحب أن أقرأ، وتشاجرنا لكثرة إلحاحه، ودفاعه عن هذا الزوج. كرهت أن أتناول من الطعام الذي أحضره؛ لأنه سبق وعيرني به، فأخبرته أني سأخرج لأشتري طعامًا، وماء لنفسي من تحت المنزل؛ لعدم وجود ما يكفي من الماء، فلم ينطق، ولم يرفض، عندما خرجت نادى عليّ، فلم أجبه أول مرة؛ لأني كنت خلف باب الشقة، فعدت مرة ثانية، ولم أنزل إلى الشارع، فوجدته أغلق الباب من الداخل، وابنتي الرضيعة معه، وتركني أطرق الباب، ورآني الجيران قبل إفطار رمضان بساعة، ثم فتح، فثرت عليه، وأخبرت أمه فلم تفعل شيئًا، وأخبرت أبي فحادثه هاتفيًّا، وحدثت مشادة كلامية بينهما لتكرار إهانته لي، فطلب أبي أن يعيدني له، أو يأتي ليأخذني، فوافق حتى لا يأتي أبي، ووضعت له طعام الإفطار، فلم يأكل شيئًا، وشرب الماء فقط، وأنا لم آكل، ثم أوصلني بنفسه إلى بيت أبي، ومنذ ذلك الحين وأنا أمكث عند أهلي، ولم يسأل عنّا، ولا ينفق على ابنته؛ بحجة أن أبي أهانه، ولم يتدخل أحد من أهله، حتى إن عمر ابنتي 4 أشهر الآن، ولم تأتِ والدته لتراها، ولم تزرني عندما وضعت، رغم معاملتي الحسنة لها، ولم ينصحه أهله حتى بالإنفاق على ابنته، والآن هو ما زال يحادث فتيات، وتحدثت معه كثيرًا، فيقول: إننا لسنا متزوجين، ولا حرج عليه. اشترط والدي كي يعيدني له أن يحضر لي، ويأخذني رغم خوفه الشديد عليّ منه، ولكن من أجل ابنتي كنت مستعدة للعودة، رغم أن لا أمل عندي أن يتغير، أو يجد من يردعه، وقد عرض هو أن يأخذني في حال عدم وجود أبي، أو أن لا يدخل بيتنا، وأنزل أنا له من دون كرامة، أو أن يعتذر له أبي الذي يكبره بأربعين عامًا بعد تركه لي خارج المنزل أطرق الباب. أنا أعاني من وضعي هذا، وهو يحادث غيري، وهذا يؤذيني بشدة، فأبكي طيلة الوقت، وهو لا يبالي، ولا يسأل عني، ولا عن ابنته، طلبت الطلاق مؤخرًا، كان الرد: "اضربي رأسك في الحائط"، ويقول عني: إني ناشز، ولا أصلح زوجة، ولا أتحمل مسؤولية! رغم أني طوال فترة حملي لم يأخذني مرة للطبيب، ولم ينفق فلسًا على ولادتي، وعلاجي، ويقول: إني أعمل، ويجب عليّ أن أتكفل بنفقاتي الخاصة من ملابس، وطعام، غير الذي يحضره هو، وعلاج أثناء الحمل، حتى بعد ولادتي ظل شهرًا منقطعًا عني، وعن ابنته بحجة خلافاتنا، ومكثت عند أهلي أكثر مما مكثت في بيته، ومعظم طعامنا كان يحضره لي أهلي، وهو ينكر لهم كل خير الآن، ويتحدث عنهم بالسوء، فمَن إذن من لا يصلح أن يكون زوجًا، ولا يتحمل المسؤولية؟ ماذا أفعل؟ وهو لم ير ابنته منذ شهرين، وأنا وأهلي من نتكفل بكل مصروفاتها، وطالبته بها، لكن قال: أنت من أردت تحمل المسؤولية، فتحمليها وحدك، فهل عليّ إثم؛ لأني تعبت من تحمل إهانته لي؟ وهل طلبي للطلاق حرام أم مكروه؟ وأنا الآن أراه يخونني بالحديث العذب مع غيري، ويعترف بذلك، ويتهم والدي أنه سبب فرقتنا، فهل على والدي إثم لأنه يحافظ على كرامة ابنته؟ فقد تكررت شكواي لأبي كثيرًا، وقد أمرني أن أعود له دون شروط من قبل، ولكنه أساء لي من جديد، رغم ما تحملته من عناء في الحياة معه، حتى إنني خُطبت له خمس سنوات، انتظرته فيها وحاربت من أجله، ورضيت بظروفه، ولم أرهقه في شيء، وعلى من الإثم في هذا الوضع؟ وهل من الممكن توجيه كلمة للزوج وأهله؟ وهل قوله لي: أنت انتهيت بالنسبة لي كزوجة، وأنا أحدثك لأنه ما زال بداخلي شيء طيب لك. وفي مرة أخرى قال: نحن لسنا متزوجين، وما الدليل؟ هل يعتبر ذلك طلاقًا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا حال زوجك في تعامله معك، فهو مسيء للعشرة، ومفرط في حق زوجته، وأهله، فمن حق الزوجة على زوجها أن يحسن عشرتها امتثالًا للأمر الرباني في قوله سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.
ويجب عليه أن ينفق عليها، وأن ينفق على ولده منها، ولا يجب عليها أن تنفق على نفسها، أو على ولدها، ولو كانت غنية، وراجعي الفتوى رقم: 69148، والفتوى رقم: 69148.
وإذا أنفقت الزوجة غير متبرعة جاز لها الرجوع على زوجها بما أنفقت بالمعروف، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 34771.
فقول زوجك لك: أنت من أردت تحمل المسؤولية، تحمليها وحدك. كلام في غير محله، ولم يظهر لنا فيما ذكرت من حيثيات أن هنالك ما يقتضي تأثيمك، وزوجك آثم بما صدر منه من تصرفات سيئة؛ من نحو التفريط في الصلاة، ومحادثة الفتيات، والتفريط في الحقوق، وإساءة عشرتك، وسبّ أبيك وأمك، وهو السبب في تأزيم الأمر.
وأما أبوك: فلا ندري ما دار بينه وبين زوجك من كلام، فلا يمكننا الحكم بما إن كان مخطئًا، وسببًا في سوء العلاقة بينك وبين زوجك.
وطلب المرأة الطلاق من زوجها محرم في الأصل؛ لأن السنة قد ثبتت بالنهي عن ذلك لغير مسوغ شرعي، ولكن فيما ذكرت جملة من مسوغات طلبك الطلاق، ومنها: فسق الزوج، وتضررك بالبقاء معه، ونحو ذلك، وراجعي الفتوى رقم: 37112.
فيجوز لك -إذن- طلب الطلاق، ولكننا لا ننصحك بالتعجل لذلك، فالطلاق قد جعله الشرع آخر الحلول، فالأولى السعي في الإصلاح، فقد ندب الشرع إليه عند نشوز الزوج، كما قال الله -عز وجل-: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:128}، فليجلس العقلاء من أهلك، وأهله للصلح بينكما.
ونوصي بهذه المناسبة الزوج، وأهله بالاجتهاد في لمّ شمل الأسرة، والمساعدة في أمر الإصلاح، فهذا مما يعظم به الأجر، ويتقرب به إلى الله، وراجعي في فضل الإصلاح الفتوى رقم: 50300.
فإن تعذر الإصلاح، وظهرت مصلحة الفراق، وأنها الراجحة، فلا بأس بالمصير إليه، وقد يجعل الله في ذلك خيرًا، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}، قال القرطبي عند تفسيره هذه الآية: أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله؛ فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.
وهذه العبارات التي تلفظ بها زوجك من نحو قوله: انتهيت بالنسبة لي كزوجة ... لسنا متزوجين. لا يقع بها الطلاق إلا بالنية؛ لأنها من كنايات الطلاق، وراجعي في ضابط الكنايات الفتوى رقم: 49451. فإن لم يقصد بها الطلاق، فالعصمة باقية بينكما.
وننبه إلى أن الزوج ليس ملزمًا شرعًا بأن يأتي ليأخذ زوجته إلى البيت، وراجع الفتوى رقم: 141565، وليس لأبي الزوجة أن يشترط عليه ذلك، وفي المقابل لا ينبغي للزوج التعنت على الوجه المذكور بالسؤال، ولا سيما فيما يتعلق باعتذار الأب -على فرض كونه قد فعل ما يقتضي الاعتذار-، فلا يجعل هذا متعلقًا بهذا.
والله أعلم.