عنوان الفتوى : شروط وقوع الطلاق بالكناية
هذا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية يجب أن تعلم أن رابطة الزواج من أقوى الروابط وأمتنها ولا أدل على ذلك من اعتبار المولى جل شأنه هذه العلاقة ميثاقاً غليظاً، فقال: وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21]، ومن هنا لم يترك الشرع أمراً يقوي هذه الرابطة ويزيد من استمرارها إلا حث عليه، وفي المقابل لم يدع أي أمر يؤدي إلى إضعافها ويخل بها إلا منعه، ومن ذلك أنه أمر الزوجة بالطاعة لزوجها وحذرها من طلب الطلاق من غير مسوغ شرعي، واعتبر إيقاع الزوج للطلاق من أبغض الحلال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله الطلاق. رواه أبو داود، بل إن من أهل العلم من ذهب إلى تحريمه في غير حاجة لما فيه من الإضرار بالزوجة والعيال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.
وبخصوص سؤالك فالواضح أنه قد صدر منك تصريح بلفظ بالطلاق مرة لزوجتك بصفة قطعية، وما دام ذلك حدث فالطلاق لازم سواء دون ذلك في المحاكم أو لا، لأن العبرة بصدور اللفظ من الزوج في حال غير إكراه ولا غضب شديد لا يدرك معه ما يقول.
وأما قولك لا أريدك واذهبي إلى البيت واذهبي عني أو نحوها فهو كنايات فإن قصدت بها الطلاق وقع وهذا هو المتبادر من سؤالك، وإن لم تقصده فلا شيء عليك، قال صاحب فتح القدير الحنفي: الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا بنية أو بدلالة الحال لأنها غير موضوعة للطلاق بل تحتمله وغيره فلا بد من التعيين أو دلالته.
وقال المرداوي الحنبلي: ولا يقع بكناية طلاق إلا بنية قبله أو مع اللفظ.
والحاصل أنه إذا كان قصدك بهذه الكنايات الطلاق فقد بانت منك زوجتك بينونة كبرى لا تحل لك إلا بعد زوج، لقول الله تعالى: فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، وإن كنت لم ترد بهذه الألفاظ الطلاق فلا يجب عليك منها شيء وإنما يلزمك طلقة واحدة وهي التي صرحت فيها بلفظ الطلاق.
وننبهك إلى أن نفوذ الطلاق لا يتوقف على موافقة الزوجة ولا حكم المحكمة؛ بل إنه متى أوقعه الزوج وقع وتترتب عليه الآثار.
والله أعلم.