عنوان الفتوى : هل جاء الرسول بالسيف رحمة للعالمين؟
هل الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالسيف رحمة للعالمين؟ وهل يوجد دليل على هذا القول؟. وشكراً.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص القرآن الكريم على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث رحمة، ليس للبشر فحسب، بل للعالمين، فقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ {لأنبياء: 107}.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: تفصيل ذلك يظهر في مظهرين: الأول: تخلق نفسه الزكية بخلق الرحمة، والثاني: إحاطة الرحمة بتصاريف شريعته... وما يتخيل من شدة في نحو القصاص والحدود، فإنما هو لمراعاة تعارض الرحمة والمشقة، كما أشار إليه قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة {البقرة: 179} فالقصاص والحدود شدة على الجناة ورحمة ببقية الناس، وأما رحمة الإسلام بالأمم غير المسلمين، فإنما نعني به رحمته بالأمم الداخلة تحت سلطانه وهم أهل الذمة، ورحمته بهم عدم إكراههم على مفارقة أديانهم، وإجراء العدل بينهم في الأحكام بحيث لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم في الحقوق العامة. اهـ.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه ما أرسل هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم، لأنه جاءهم بما يسعدهم وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى، وضرب بعض أهل العلم لهذا مثلا، قال: لو فجر الله عينا للخلق غزيرة الماء، سهلة التناول، فسقى الناس زروعهم ومواشيهم بمائها، فتتابعت عليهم النعم بذلك وبقي أناس مفرطون كسالى عن العمل، فضيعوا نصيبهم من تلك العين، فالعين المفجرة في نفسها رحمة من الله، ونعمة للفريقين، ولكن الكسلان محنة على نفسه حيث حرمها ما ينفعها، ويوضح ذلك قوله تعالى: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ـ وقيل: كونه رحمة للكفار من حيث إن عقوبتهم أخرت بسببه، وأمنوا به عذاب الاستئصال، والأول أظهر. اهـ.
وعن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين، قال: إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس: إنما أنا رحمة مهداة. رواه الدارمي والبيهقي، وصححه الألباني.
وعن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء، فقال: أنا محمد، وأحمد والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة. رواه مسلم.
ولا تتعارض هذه الرحمة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم، مع ما شرع في الإسلام من جهاد أعداء الله تعالى وبعثه بالسيف بين يدي الساعة، وهذا يتضح بمعرفة غايات الجهاد وأسباب القتال في الإسلام وأنواعه والحكمة منه وفلسفة الفتوحات في الإسلام، وقد سبق لنا تناول هذه المسائل في الفتاوى التالية أرقامها: 199777، 120465، 166631.
والله أعلم.