عنوان الفتوى : أجر الغازي الذي سلم ولم يغنم لايساوي أجر من سلم وغنم
أنا أطلب العلم الشرعي، ولم أجد جوابا لهذه الأسئلة، وهي مهمة في بحثي، ولم أجد من يجيبني عنها، فليس حولي من أهل العلم المعتبرين أحد، وحاولت التواصل معهم لكنهم مشغولون: أولا: هل صحيح أن كل نفع دنيوي يحصل للمجاهد في سبيل الله ضِمْنًا لا قصدًا ينقص من أجره عند الله؟ ثانيا: هل الأمور التالية تنقص من أجر المجاهد: 1- أخذ مؤنة الجهاد من غيره بدلا من أن تكون من ماله وكسبه الخاص لمن لا مال عنده كمن ينفق عليه غيره؟ 2- أخذ المال (عطاء أو معاشا ماليا) من الغير مثل المال المخصص لجيش المسلمين -لا من كسب الإنسان الخاص إذا كان الإنسان لا يزال ليس لديه كسب خاص أو مال- للإنفاق على النفس والزوجة والأبناء في أثناء الجهاد؟ 3- الأخذ من الغنيمة بعد تقسيمها، أي: أخذ الحصة التي تم تقديرها لكل مجاهد من الغنيمة بعد كل معركة أو غزوة-؟ ثالثا: هل الذي يجاهد بنفسه دون ماله إن كان لا يملك المال ليجاهد به (وكان يتمنى لو أن عنده مالا ليجاهد به) له نفس أجر من يجاهد بنفسه وماله؟ وهل يأخذ الأول نفس أجر الثاني كاملا تاما أم يأخذ أجر نيته فحسب؟ رابعا: هل الأولى شرعا في حق مسلم عاقل يبتغي أفضل الأجور، وأعظمها، وأكملها, وأحب الأعمال إلى الله تعالى أن يخرج مجاهدًا فورًا (في حال كان الجهاد فرض عين)، وهو لا يملك المال، أي: لا يملك مؤنة الجهاد, ولا يملك ما ينفق فيه على نفسه وأسرته في أرض الجهاد، ولكن يوجد من يعطيه المال ليهاجر، ثم في أرض الجهاد يوجد من يعطيه المال اللازم للإنفاق على نفسه وزوجته وأبنائه، فهل يأخذ المال ويذهب أم ينتظر حتى يجني بعض المال من كسبه الخاص مما يكفيه -بإذن الله تعالى- في هجرته، ثم الإنفاق على نفسه وأسرته في أرض الجهاد؟ خامسا: في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "القتلى ثلاثة: مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، فإذا لقي العدو قاتل حتى يقتل" قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: "فذلك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة"، وفي الحديث الصحيح الآخر: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ جَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ"، هل يمكن تحصيل الثواب المذكور للمجاهد بنفسه فقط دون ماله إذا كان ليس عنده مال وهو ينوي لو كان عنده المال لخرج مجاهدا بنفسه وماله؟ وجزاكم الله تعالى خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشير هنا مما سأل عنه السائل إلى مسألتين:
الأولى: أن من أخلص نيته لله تعالى في الجهاد، فإنه وإن كان موفور الأجر مع ما يحصل له من الغنيمة، إلا أن هذا الأجر يكون أتم وأعظم في حال عدم حصول غنيمة، ويدل على ذلك: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم. رواه مسلم. قال النووي: وأما معنى الحديث: فالصواب الذي لا يجوز غيره: أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم، أو سلم ولم يغنم، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله: "منا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها" أي: يجتنيها. فهذا الذي ذكرنا هو الصواب، وهو ظاهر الحديث، ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا، فتعين حمله على ما ذكرنا. اهـ.
وقال القسطلاني في (إرشاد الساري): القواعد تقضي بأنه عند عدم الغنيمة أفضل منه وأتم أجرًا عند وجودها ـ ثم ذكر الحديث السابق وقال: ـ فهذا صريح ببقاء بعض الأجر مع حصول الغنيمة، فتكون الغنيمة في مقابلة جزء من ثواب الغزو. وفي التعبير بثلثي الأجر حكمة لطيفة، وذلك أن الله تعالى أعدّ للمجاهد ثلاث كرامات: دنيويتان وأُخروية، فالدنيويتان: السلامة والغنيمة، والأخروية: دخول الجنة، فإذا رجع سالمًا غانمًا فقد حصل له ثلثا ما أعدّ الله له، وبقي له عند الله الثلث، وإن رجع بغير غنيمة عوّضه الله عن ذلك ثوابًا في مقابلة ما فاته. اهـ.
وأما المسألة الثانية: فهي أن الاستواء في الأجر، بين العامل بنفسه أو ماله، والناوي للعمل دون أن يعمله، إنما هو في أصل الأجر لا في تمامه أو مضاعفته، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 121341، 153195، 226630.
وراجع في بقية الأسئلة ما سبق أن أجبناك به في الفتوى رقم: 273142.
والله أعلم.