عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في اقتداء من يصلي قضاء بمن يصلي أداء والعكس
بارك الله فيكم، وجزاكم الله عنا خير الجزاء. لدي سؤال مركب من عدة أسئلة سأحاول توضيحه، وهو كالتالي: عند صغري لم أكن أعرف شيئا عن البلوغ والاحتلام وأن الاحتلام يوجب الغسل، وعند بلوغي في أول مرة أحتلم فيها استغربت كثيرا لما حدث معي، فقمت بغسل نصفي الأسفل وصليت، وأصبحت على هذه الحالة عدة أشهر حتى علمت لاحقا أن هذا الأمر يوجب الغسل. وسؤالي: ما حكم الصلوات التي أديتها من أول يوم احتلمت فيه إلى أن علمت بأمر الغسل بنية الطهر؟ علما بأني قدَّرت الفترة بثمانية أشهر، وفي الواقع أنا بدأت في قضاء الصلوات عن تلك الفترة، فهل عملي هذا صحيح؟ وإذا كان يلزمني القضاء، هل باستطاعتي أن أصلي الصلاة الحاضرة في جماعة، وإذا وجدت جماعة أخرى أدخل معهم بنية القضاء؟ وهل هناك اختلاف بين العلماء في مسألة النية بين الإمام والمأموم؟ وما هو الأحوط في هذه المسألة؟ وجزاكم الله خيرا، وزادكم علما ونفعا لخَلْقه.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالأحوط: هو أن تعيد تلك الصلوات التي صليتها جُنُبًا ولم تعلم بوجوب الغسل, وانظر الفتوى رقم: 114133، والفتوى رقم: 242566، والفتوى رقم: 269761، وثلاثتها فيمن ترك شرطًا من شروط صحة الصلاة جاهلًا به هل يلزمه القضاء؟
ولا حرج عليك في أن تصلي مع جماعة ثانية بنية القضاء، ولا يلزم أن تتفق نية المأموم مع نية الإمام في كون الصلاة أداء أو قضاء، بل يجوز أن يصلي الإمام أداء والمأموم قضاء، ويجوز العكس، وهذا قول الشافعية، وذهب الجمهور إلى عدم صحة اقتداء من يصلي قضاء بمن يصلي أداء والعكس؛ جاء في الموسوعة الفقهية:
يُشْتَرَطُ فِي الاِقْتِدَاءِ اتِّحَادُ صَلاَتَيِ الإْمَامِ وَالْمَأْمُومِ سَبَبًا وَفِعْلًا وَوَصْفًا؛ لأِنَّ الاِقْتِدَاءَ بِنَاءُ التَّحْرِيمَةِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ، فَالْمُقْتَدِي عَقَدَ تَحْرِيمَتَهُ لَمَّا انْعَقَدَتْ لَهُ تَحْرِيمَةُ الإْمَامِ، فَكُل مَا تَنْعَقِدُ لَهُ تَحْرِيمَةُ الإْمَامِ جَازَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُقْتَدِي، وَعَلَى ذَلِكَ؛ فَلاَ تَصِحُّ ظُهْرٌ خَلْفَ عَصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلاَ عَكْسُهُ، وَلاَ تَصِحُّ صَلاَةُ ظُهْرٍ قَضَاءً خَلْفَ ظُهْرٍ أَدَاءً، وَلاَ ظُهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَظُهْرِ يَوْمِ السَّبْتِ خَلْفَ ظُهْرِ الأْحَدِ الْمَاضِيَيْنِ؛ إِذْ لاَ بُدَّ مِنَ الاِتِّحَادِ فِي عَيْنِ الصَّلاَةِ وَصِفَتِهَا وَزَمَنِهَا، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّمَا جُعِل الإْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ: تَوَافُقُ نَظْمِ صَلاَتَيْهِمَا فِي الأفْعَال الظَّاهِرَةِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الصَّلاَتَيْنِ. وَعَلَى ذَلِكَ؛ تَصِحُّ قُدْوَةُ مَنْ يُؤَدِّي الصَّلاَةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا، وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّل، وَمُؤَدِّي الظُّهْرِ بِالْعَصْرِ، وَبِالْمَعْكُوسِ. أَيْ: الْقَاضِي بِالْمُؤَدِّي، وَالْمُتَنَفِّل بِالْمُفْتَرِضِ .... اهـ.
والله تعالى أعلم.