عنوان الفتوى : هل يشرع هجر الوالدين بسبب إيوائهما ليتيمة تقترف الفواحش

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

القصة تبدأ من عام 93 حيث فتحنا باب المنزل ووجدنا طفلة حديثة الولادة ملقاة أمام الباب، وبعد مشاورات قررنا جميعا (أب وأم وابنان وبنتان) تربية هذه البنت بدلا من تسليمها لجمعيات الأيتام، ثم لم ننسبها لنا، وإنما سميناها باسم عام: **** عبد الله محمد عبد الرحمن، مرت هذه البنت بطفولة مدللة للغاية كما لو كانت أختا لنا,وللأسف كان الأب والأم لا يسمحون بمعاقبتها على أي شيء بحجة أنها يتيمة، وما إلى ذلك. بدأت البنت تتعرف على أولاد عن طريق الهاتف أو جيران المنزل من سن مبكرة جدا (تقريبا عشر سنوات)، ولم يتم ردعها من الأم أو الأب حتى أني كلما عنفتها أو عاقبتها يأتي اللوم عليّ! ودائما كان يأتي اللوم عليّ إذا وجهتها لارتداء لباس فضفاض ونهيتها عن لبس المجسم، فكان الرد علي دائما: "اتركها فهي يتيمة, لا شأن لك بها,... إلخ" حينما بلغت سن 14 سنة كانت تهرب من البيت وتبيت بالخارج، ويتبين بعدها أنها تبيت عند شباب في بعض البيوت، تشاجرت كثيرا مع أبي وأمي لأنهم يسكتون على هذه المهازل، وتعود إلى المنزل دون أي رادع منهم، حتى ذكرت لأبي ذات مرة أنها ستأتي لك يوما بطفل من الحرام، فكان رده: "إن أتت بطفل من الحرام سأربيه أنا.. لا شأن لك بذلك" في إحدى المرات ضربت البنت، وقلت لأمي: إما أنا وإما هذه البنت في البيت؟ فقالت: "هي تجلس وارحل أنت". فما كان مني إلا أن قاطعت أبي وأمي مرات عديدة، وكنت أجلس في شقق إيجار أو شقة الزوجية الخاصة بي (قبل الزواج). هربت هذه البنت في يوم من الأيام، ثم قرر الأب والأم الكشف عليها بعد عودتها، فإذا هي ليست ببكر، ثم أجبروا من زنى معها أن يتزوجها، وعقد عليها رغما عنه قائلا: إنه لم يجدها أصلا بكرا، وإنما على حد تعبيره: "مستعملة قبل ذلك" لم يتم على العقد السري أسبوعان حتى طلقها؛ لأنه يخشى منها لشراهتها الجنسية. هربت البنت مرات ومرات وتعود إلى البيت وكأن شيئا لم يحدث، وفي كل مرة أقاطع أبي وأمي، ثم أعود لبرهما خوفا من إثم القطيعة. للأسف يتحمس الأب والأم بعد كل هرب أنها لن تعود وكذلك يتحمس الإخوة، ثم تعود المياه إلى مجاريها دون أي ردع، ولا يأخذ أحد أي موقف سواي، وسرعان ما يطلبون مني أن أصل أبي وأمي ثانية بحجة بر الوالدين وغير ذلك. في مرة من المرات عرضت إحدى الأخوات الفاضلات أن تربيها هي، وتهتم بها دينيا، ولكن لم يبق الحال أكثر من شهر حتى كانت أمي هي التي تطلبها دون إذن المربية، لتخرج هنا أو تأكل معها هنا، إلى أن استاءت المربية من هذا الوضع، لأنهم طالما يحبونها كذلك فلتبق معهم. المشكلة الآن: أن هذه المومس أصبحت مشهورة في حيّنا، وأصبحت أرقب نظرات الناس السيئة لي كلما ذهبت إلى المسجد أو رجعت، وأنا الآن تزوجت وأصبح لي طفلة. آخر مشكلة منذ شهر أو شهرين: أنها لم تكتف بالهرب والمبيت مع الشباب في الخارج، وإنما استخدمت الهاتف المحمول الذي ساعدوها في شرائه (رغم تحذيري لهم) في تصوير نفسها في أوضاع جنسية عارية، وأرسلت بها إلى الشباب، ومن ضمنهم ابن خالي الذي اعترف عليها، وكذلك أحضرت أحد الجيران وعاشرها جنسيا أكثر من عشرين مرة في غرفة نوم أبي باعترافها هي، وقامت بالشجار مع أمي وسبها حتى أن أمي طردتها وأقسمت ألا تعود إلى المنزل أبدا، ثم لم تمر أسابيع حتى أتت بها أختي لتجعلها تعمل في محل عباءات لها، ولم تمر الأيام حتى عادوا بها إلى المنزل من جديد، بل استأجروا لها إحدى الشقق؛ لتبيت فيها مع بقائها في منزل أبي طوال النهار. تشاجرت مع أمي بسبب عودتها لهم، وأنا الآن مقاطع لأبي "78 عاما" وأمي "66 عاما" منذ 12 يوما، ولا أنوي العودة إليهما أو التحدث معهما أبدا طالما أن هذه البغي في البيت، وقلت: إن الله هو المطلع على حالي لقطعي علاقاتي مع أبي وأمي، لأن هذا الأمر استنزفني تماما منذ أكثر من عشر سنوات، فلا أستطيع التركيز في دنيا أو دين، فكان الحل في نظري أن أقاطعهما وكأنني يتيم، وليحكم الله بيننا يوم القيامة، فهل أنا محق؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دامت البنت بغيًّا -كما ذكرت-: فلا يجوز إيواؤها، ولا إعانتها على ما تقترفه من فواحش ومنكرات؛ لقوله تعالى:  وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}، لكن لو فعل ذلك الأبوان، ولم يطرداها، فلا يسقط ذلك حقهما عليك في البر، ولا تجوز قطيعتهما، ولا الإساءة إليهما وإن أساءا.

فاستغفر الله، وعد إلى صلة أبويك، وصاحبهما بمعروف وإحسان؛ جاء في كتاب أحكام الهجر للبدراني: لا يجوز للمسلم أن يهجر والديه مهما بدر منهما إليه من الإساءة، والله تعالى يقول في شأن الوالدين الكافرين اللذين يدعوان إلى الكفر: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ـ ويقول تعالى في الوالدين عمومًا: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ـ وأي إساءة أعظم من الهجر.

ويقول الشيخ/ ابن باز ـ رحمه الله ـ في إحدى فتاويه -مُفرقًا بين هجر الأقارب عمومًا وبين هجر الوالدين-: وهكذا الرجل إذا كان إخوانه يضرونه، أو أعمامه، أو أخواله في مجالسهم، فلا حرج أن يترك الذهاب إليهم، بل يشرع له ترك الذهاب إليهم وهجرهم، إلا إذا كانت الزيارة يترتب عليها النصيحة والتوجيه وإنكار المنكر، هذا طيب إذا زارهم ينكر عليهم ويعظهم ويخوفهم من الله؛ لعل الله أن يهديهم بأسبابه، فهذا مطلوب مشروع، له أن يذهب إليهم للنصيحة والتوجيه، إلا الوالدين فالوالدان لهما شأن، الوالدان لا، لا يهجر والديه، بل يزور الوالدين، ويعتني بالوالدين، وينصح الوالدين، ولا يهجرهما؛ لأن الله جل وعلا قال -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم في حق الوالدين: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ـ أُمر أن يصحبهما بالمعروف, وإن جاهداه على الشرك، لعل الله أن يهديهما بأسبابه، لأن حقهما عظيم، وبرهما من أهم الواجبات، فلا يهجرهما، ولكن يتلطف فيهما، وقد اجتهد إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- مع أبيه مع أنه مشرك معلن بالشرك، ومع هذا اجتهد إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- في دعوة أبيه، فالمقصود أن الوالدين لهما شأنٌ عظيم، فلا يهجرهما الولد، بل يتلطف في نصيحتهما وتوجيههما إلى الخير... انتهى.

ومن العلماء من قال: إن الهجر إن كان لمصلحتهما فلا بأس به؛ فقد سئل الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله- في لقاء الباب المفتوح: هل يجوز الهجر للوالدين المسلمين إذا كان في مصلحة شرعية؟

فأجاب: نعم، إذا كان في هجر الوالدين مصلحة شرعية لهما فلا بأس من هجرهما، لكن لا يقتضي ذلك منع صلتهما، صلهما بما يجب عليك أن تصلهما به، كالإنفاق عليهما في الطعام والشراب والسكن، وغير ذلك.

 وعلى كل؛ فلتبين لأبويك بحكمة وموعظة حسنة أن إعانتهما للبنت على ما تفعل من معصية يلحقهما بسبب ذلك إثم، فليكفّا عن إعانتها، ولا يظهرا لها الرضا بما تفعل من منكر، وليحجزاها عنه ما استطاعا، وما فعلته من تلقاء نفسها فإثمه عليها وحدها.

والله أعلم.