عنوان الفتوى : ما الرحم الواجب صلتها؟ وهل تسقط بإساءتهم؟ وما أسباب الهجر المشروع؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا عمري 15 سنة، وأمي لا تتكلم مع عماتي؛ لأنهن دائمًا ما يتشاجرن معها، ولأنهن عندما تزوج أحد إخوة أمي أخذن يتقربن لزوجته، ويوقعن بينها وبين زوجها دون أن تشعر، ويؤلفن كلامًا، ويكذبن إلى أن طلقت، وهكذا إلى أن طلق اثنان من إخوة أمي زوجاتهم بسببهن، ولم يسلم منهن أخوهن الذي هو عمي، وأخذن هن وأمهن - التي هي جدتي – يفترين على هذه المسكينة أنها تخون زوجها مع ابن أخت جدتي، وما إن سمع ذلك منهن حتى أصيب بالشلل وتوفي، ومن ثم ماتت والدته التي هي أخت جدتي بعده، فهن لا يسلم منهن لا أخ، ولا أخت، ولا قريب، ولا بعيد، وحاولن أن يخربن بيت خالتي، ولكن - الحمد لله - وجميع أقاربي لا يتكلمون مع زوجها؛ لأن عماتي أيضًا افترين عليه، وأردن أن يخربن بيتها، ولكن هدأت الأمور، ولم يتطلقا، ولكن لا أحد يتكلم مع زوج خالتي، ولكن هذا أخف من طلاقها، وحاولن أيضًا تطليق أمي من أبي، ولكن حمدًا لله لم يحدث، فهل يجوز لنا أنا وأمي وإخوتي عدم التحدث معهن؟ أم أن هذا حرام - بارك الله لكم -؟ وأريد أن أعرف من الذين يجب عليّ صلتهم حتى لا أكون قاطعة للرحم، وأنا في هذا العمر، وعندما أتزوج، وما الأسباب التي يجوز لأجلها الخصام شرعًا، ولا يحرم - جزاكم الله خيرًا -؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما الرحم الواجب صلتها، فهم قرابة النسب من الأبوين، وهم على درجتين: محارم تجب صلتهم، وتحرم قطيعتهم اتفاقًا، ورابطتهم هي ‏الأخوة، والعمومة، والخؤولة، والدرجة الثانية سائر الأرحام غير المحارم، كأولاد الروابط المذكورة، وصلتهم مستحبة، ‏وقطيعتهم مكروهة اتفاقًا.

وأما وجوب صلتهم وحرمة قطيعتهم، فمحل خلاف بين أهل العلم، وقد حررنا هذه المسألة، وبينا ‏الراجح فيها في الفتوى رقم: 11449.‏

ولا فرق في حكم الصلة بين أن تكون السائلة متزوجة، أو عزبة ما دامت بالغة، فقرابة الزوج رابطتهم المصاهرة - الختونة - لا ‏النسب، فصلتهم لا تدخل في باب صلة الرحم، وقطيعتهم لا تدخل في باب قطيعة الرحم، وراجعي الفتوى: 123691، وإنما صلتهم من باب الصلة العامة، ومعاشرة الزوج بالمعروف.‏

كما أن الصلة الواجبة للأرحام لا تسقط بإساءتهم، كما أوضحناه في الفتويين: 196331، 136334، وإنما يسقط من ‏ صلتهم ‏ما يتسبب في إساءتهم؛ سواء كانت المحادثة أم الزيارة، وتبقى صور أخرى كالدعاء لهم، وتقديم ‏العون، والخدمة، ‏وتفقد أحوالهم، وإلقاء السلام عليهم، وللمزيد فيما ذكره أهل العلم من صور صلة ‏الرحم تنظر الفتوى: 8744.‏

وأما سؤالك عن أسباب الخصام المشروعة: فلعلك تقصدين منه الهجر، فإن كان كذلك فالهجر بحسب سببه منه مشروع وممنوع، فإن كان لمجرد حظ النفس فإنه يحرم منه ما زاد على ثلاث، كما فصلناه في الفتوى: 25074.

وإن كان الهجر لمصلحة معتبرة، لا لمجرد حظ النفس، كهجر ‏المبتدعة والعصاة، فهو يتبع المصلحة الشرعية من وقاية المجتمع، وتأديب العاصي، كما فصله الشيخ ابن عيثمين فيما نقلناه ‏لكم في الفتوى: 218326. ‏

فإذا اتضح الفرق بين المشروع والممنوع من الهجر نقول: إن الهجر المشروع لا ينافي الصلة الواجبة، كما في هجر ‏قرابة الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك، بل الهجر من صور الصلة حينئذ، كما قرره الحافظ ابن ‏حجر في فتح الباري، ونقلناه في الفتوى: 63264.

أما الهجر الممنوع فهو ينافي الصلة الواجبة؛ لأن أدنى مراتب الصلة ترك ‏الهجر، كما حققه القاضي عياض، ونقلناه لكم في الفتوى: 131202.‏

فإذا تقرر ما سبق من جواب السؤالين الأخيرين نصل إلى جواب السؤال الأول فنقول: ‏إن ما فعلته العمات بقراباتهنّ ـ فيما ذكرته السائلة ـ يعدّ من كبائر الذنوب؛ لما فيه من الإيذاء، والقطعية، والتخبيب، والنميمة، ‏والوقيعة، إلا أن هذا لا يسقط وجوب صلتهم عبر وسائل الصلة التي يؤمن فيها شرهم.

وأما بخصوص ترك محادثتهم: فإن ‏دخل ذلك في الهجر المشروع، فهو مشروع بقدره.

وإن لم يدخل في الهجر المشروع فيترك من محادثتهم ما يتقى به أذاهم، ‏ويبقى ما دونه من الصلة، كالسلام، والتهنئة بالمناسبات، والعيادة، والدعاء.

هذا بالنسبة للسائلة وأخواتها؛ لأن العمات من محارم الأرحام التي تجب صلتها.

وأما بالنسبة للوالدة فإن لم تربطها بعماتكنّ رحم فتحكمها ضوابط الهجر المتقدمة.

والله أعلم.