عنوان الفتوى : مسألة إلزام المنتمي لجماعة بانتخاب رئيس معين وطاعة توجيهاتهم
هل يجوز لأي شخص ينتمي لجماعه أو حزب معين أن ينتخب مرشح الجماعة، أو الحزب لمجلس النواب مع وجود شخص أكفأ من هذا المرشح من وجهه نظري واعتقادي وليس محاربا للإسلام؟ وهل يجوز لي أن أنتخب شخصا في مجلس شورى الجماعة دون أن أعرفه أو أعرف كفاءته؟ وهل الكفاءة مطلوبة في كل اختيار يتعرض له المسلم؟ وهل يجوز لأي جماعة دعوية أو حركة سياسية أن تلزم أتباعها بانتخاب رئيس معين؟ وهل يجب شرعا على المنتمي لجماعة أو حزب أو حركة أن يطيع تلك التوجيهات في انتخابات الرئاسة أو غيرها؟. وجزاكم الله عنا خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنود قبل الإجابة أن نقرر بعض الأصول والمبادئ، وهي:
1ـ الواجب على المسلم أن يطيع الله تعالى، ومن أمر الله تعالى بطاعته، إما مطلقا كالنبي صلى الله عليه وسلم، وإما مقيدا كطاعة أهل العلم الموثوق بهم وأولياء أمور المسلمين فيما ليس معصية لله تعالى، قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ {النساء: 83}.
وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا {النساء:59}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ. متفق عليه.
2ـ هناك من المسائل ما لا يظهر وجه الحق أو الصواب فيه بجلاء لكل أحد من عامة الناس، وذلك لغموض أدلتها ودقة مآخذها وارتباطها بأحوال متناقضة، ويزداد الأمر صعوبة حين اختلاط المصالح بالمفاسد في كل اختيار، بحيث لا يخلو واحد منها من اجتماع مفسدة ومصلحة شرعية، فيكون الترجيح فيها باعتبار الموازنة بينهما، فإن الشريعة مبناها على جلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا تزاحمت اغتفر تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، كما يغتفر ارتكاب أدنى المفسدتين لاجتناب أعلاهما، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها... وذلك ثابت في العقل، كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين. اهـ.
3ـ المسائل التي تتعلق بعموم الأمة، وسياسة الشعوب، ومعالجة الواقع بأحداثه المتشابكة، وحوادثه المتلاحقة، لا يتسنى لكثير من أهل العلم ـ فضلا عن غيرهم ـ أن ينفردوا فيها برؤية جامعة ثاقبة، ولذلك كان الرجوع فيها للاجتهاد الجماعي أولى وأقرب إلى الإصابة والسلامة.
وإذا تقرر ما سبق، فليعلم الأخ السائل أن موضوع استفساراته من هذا النوع، فهو يتعلق بعموم الأمة، والموازنة فيه بين المصالح والمفاسد أمر دقيق مستصعب، فلا بد للسائل أن يضع نفسه في المقام الذي يليق بها من حيث العلم والقدرة على الفهم والترجيح في هذا الواقع المشكل، فإن آنس من نفسه أهلية لذلك، فلينفرد باختياره، ما دام ذلك مبنيا على اجتهاد على أسس شرعية، وليس تشهيا ولا اتباعا للهوى، وإن لم يكن حاله كذلك فليجتهد في اختيار العالم أو الجماعة التي يغلب على ظنه أنها أقرب للتوفيق والإصابة لمراد الله ومقاصد شريعته، وفي هذا القدر بيان لأصل ما يسأل عنه السائل إجمالا، وأما تفصيلا: فمسألة الكفاءة أو الأهلية لمكانةٍ أو منصب معين، فلا ريب في اشتراطها، وإلا فمِن تضييع الأمانة أن يوسَّد الأمر إلى غير أهله، وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام إضاعة الأمانة علامة على قرب خراب العالم، فقال صلى الله عليه وسلم: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قيل: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة. رواه البخاري.
ولذلك، فالأصل أنه لا يقبل من المسلم أن ينتخب من لا يعرف كفاءته، فإن جهل أحوال المرشحين، فإمكانه سؤال أهل العلم والخبرة، والاعتماد على تزكيتهم، وقد سبق لنا بيان أساس الاختيار ومعايير المفاضلة بين المرشحين، وذلك في الفتويين رقم: 60876، ورقم: 178617.
كما سبق لنا بيان حكم الالتزام بجماعة معينة، وأي الجماعات أحق بالاتباع، وذلك في الفتوى رقم: 118407.
وتقدم لنا أيضا في الفتوى رقم: 176023، الجواب عن سؤال: هل يجب على من ينتمي لجماعة معينة الالتزام بكل قراراتها؟.
وأما بالنسبة لإلزام الجماعات الدعوية أو الأحزاب والحركات السياسية لأتباعها بانتخاب رئيس معين؟ فهذا إن كان من باب الالتزام الحزبي أو الحركي، فحكمه يرجع إلى الأسس التي اختارت بها الجماعة هذا المرشح أو ذاك، فإن كانت أسسا شرعية فلا حرج في هذا الإلزام والالتزام, وأما أنه يجب على الأتباع شرعا انتخاب من رشحته جماعتهم أو حزبهم بحيث يأثمون إن خالفوا فلا يظهر لنا وجه هذا الوجوب والتأثيم.
والله أعلم.