عنوان الفتوى : معايير المفاضلة بين مرشحي الرئاسة
- ماهي معايير اختيار حاكم لبلدي حتي أرضي الله في اختياري؟ و كيف أحكم علي مرشح للرئاسة أنه ملتزم و صالح دينيا أو لا مع كل تلك التلاعبات و الضبابية في مصر الآن؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نشير إلى أن المسلم إذا اجتهد وبذل ما في وسعه لإصابة حكم الله تعالى وامتثاله، ولكنه أخطأ في اجتهاده دون تقصير ولا اتباعٍ للهوى، فقد برئت ذمته، وهو مأجور إن شاء الله تعالى. ثم إن مسألة اختيار الحاكم ـ ولا سيما في عصرنا هذا ـ لا يجب على المسلم فيها إلا اختيار الأصلح مما وجد، وإن كان به من العيوب والذنوب ما هو ظاهر، فإن هذا هو ما في الوسع، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (السياسة الشرعية): ليس عليه أن يستعمل إلا أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده من هو أصلح لتلك الولاية، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام وأخذه للولاية بحقها فقد أدى الأمانة وقام بالواجب في هذا، وصار في هذا الموضع من أئمة العدل المقسطين عند الله؛ وإن اختل بعض الأمور بسبب من غيره إذا لم يمكن إلا ذلك فإن الله يقول: {فاتقوا الله ما استطعتم} ويقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وقال في الجهاد في سبيل الله: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين} وقال: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فمن أدى الواجب المقدور عليه فقد اهتدى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" أخرجاه في الصحيحين؛ لكن إن كان منه عجز بلا حاجة إليه أو خيانة عوقب على ذلك. وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب فإن الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. كما قال تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين} وقال صاحب مصر ليوسف عليه السلام: {إنك اليوم لدينا مكين أمين} .. والقوة في كل ولاية بحسبها. اهـ.
وأما معيار الاختيار فيوضحه قوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26] وقوله عز وجل: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55].
قال شيخ الإسلام: الولاية لها ركنان: القوة والأمانة، فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل بتنفيذ الحكم، والأمانة ترجع إلى خشية الله تعالى اهـ.
وقال السعدي: هذان الوصفان، ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملا .. فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما، وأما باجتماعهما فإن العمل يتم ويكمل. اهـ.
فإذا تفاوت المرشحون في الفضل بين القوة والأمانة، فينبغي الموازنة بين المصالح والمفاسد بحسب نوع الولاية وما يراد بها، والأصل أن تقدم القوة والقدرة على تحقيق مقاصد الولاية، ما دام الخلل في الأمانة لا يتعدى أثرُه صاحبَه.
قال شيخ الإسلام: اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة". فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها. فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة؛ قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررا فيها؛ فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع وإن كان فيه فجور، على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا؛ كما سئل الإمام أحمد: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه؛ وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، فيغزى مع القوي الفاجر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "{إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر". وروي: "بأقوام لا خلاق لهم". وإن لم يكن فاجرا كان أولى بإمارة الحرب ممن هو أصلح منه في الدين إذا لم يسد مسده. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم وقال: "إن خالد سيف سله الله على المشركين". مع أنه أحيانا قد كان يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه مرة قام ثم رفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد" .. ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب؛ لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره وفعل ما فعل بنوع تأويل. وكان أبو ذر رضي الله عنه أصلح منه في الأمانة والصدق؛ ومع هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" رواه مسلم. نهى أبا ذر عن الإمارة والولاية لأنه رآه ضعيفا مع أنه قد روى: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر". وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مرة عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل استعطافا لأقاربه الذين بعثه إليهم، على من هم أفضل منه. وأمر أسامة بن زيد؛ لأجل طلب ثأر أبيه. كذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة راجحة مع أنه قد كان يكون مع الأمير من هو أفضل منه في العلم والإيمان ... وإذا كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد قدم الأمين: مثل حفظ الأموال ونحوها؛ فأما استخراجها وحفظها فلا بد فيه من قوة وأمانة، فيولَّى عليها شادٌّ قويٌّ يستخرجها بقوته، وكاتبٌ أمينٌ يحفظها بخبرته وأمانته. وكذلك في إمارة الحرب إذا أمر الأمير بمشاورة أهل العلم والدين جمع بين المصلحتين؛ وهكذا في سائر الولايات إذا لم تتم المصلحة برجل واحد جمع بين عدد؛ فلا بد من ترجيح الأصلح أو تعدد المولى إذا لم تقع الكفاية بواحد تام .. وسئل بعض العلماء: إذا لم يوجد من يولى القضاء؛ إلا عالم فاسق أو جاهل دين؛ فأيهما يقدم؟ فقال: إن كانت الحاجة إلى الدين أكثر لغلبة الفساد قدم الدين، وإن كانت الحاجة إلى العلم أكثر لخفاء الحكومات قدم العالم .. ومع أنه يجوز تولية غير الأهل للضرورة إذا كان أصلح الموجود، فيجب مع ذلك السعي في إصلاح الأحوال حتى يكمل في الناس ما لا بد لهم منه من أمور الولايات والإمارات ونحوها؛ كما يجب على المعسر السعي في وفاء دينه وإن كان في الحال لا يطلب منه إلا ما يقدر عليه، وكما يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز؛ فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. اهـ.
وأما السبيل إلى معرفة الأصلح فأجمله شيخ الإسلام بقوله: أهم ما في هذا الباب معرفة الأصلح، وذلك إنما يتم بمعرفة مقصود الولاية ومعرفة طريق المقصود؛ فإذا عرفت المقاصد والوسائل تم الأمر .. فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا. وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم. وهو نوعان: قسم المال بين مستحقيه؛ وعقوبات المعتدين، فمن لم يعتد أصلح له دينه ودنياه، ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول: "إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم، ويقسموا بينكم فيأكم". فلما تغيرت الرعية من وجه والرعاة من وجه؛ تناقضت الأمور. فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله اهـ.
وأخيرا ننبهك على أهمية مشاورة أهل العلم والخبرة من أهل بلدك، فإنهم أعرف بحالها ورجالها ومن يصلح لها. ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يولي أمورهم خيارهم.
وللفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 178155، 177769، 134999.
والله أعلم.