عنوان الفتوى : حكم خروج الابن للجهاد دون علم والديه
مسلم يرى أن الجهاد اليوم أصبح فرض عين على كل مسلم في كل مكان، لأننا ـ كما تعلمون ـ في جهاد دفع في عدة أماكن ولم تتحقق الكفاية بعد بشهادة المجاهدين وبما نرى على أرض الواقع، إذا كان طالباً جامعياً في مكان ما في بلد مسلم بعيد، ولكن أرض الإسلام واحدة وأكمل دراسته الجامعية ـ البكالوريوس ـ ولكن والده يريد منه أن يكمل دراسة الماجستير، والابن لم يخبر والديه برغبته في الجهاد، بل بأن الجهاد فرض عين وليس كما يرغب ويهوى الابن، لأن الوالدين لن يرضيا قطعاً بخروجه للجهاد، وليس إذنهما ـ كما تعلمون ـ في هذه الحال واجب، لأن الجهاد تعين، وعليه: 1ـ إذا كان الابن لديه أمور يرغب في إنهائها، مثل سداد دين ـ وهو كما أعلم الشيء الوحيد الذي يمكن أن يسمح بتأخير الجهاد ـ فهل خلال فترة سداد الدين يجب على الابن أن يطيع والديه في مسائل تتعلق بحياته الشخصية مثل إكمال الدراسة مثلاً؟ علماً بأن الوالدين لا يعلمان بنية الابن في الجهاد، ولكن إكمال الدراسة مضيعة للوقت والمال والجهد في نظر الابن، لأنه قد حسم أمره ـ إن شاء الله تعالى ـ بنية الخروج للجهاد بنفسه بعون الأحد الصمد وتوفيقه، أم يجب على الابن طاعتهما وإكمال الدراسة ثم قضاء الدين الذي عليه، وأخيراً الخروج للجهاد علماً بأنهما يتضرران ويحزنان ويغضبان إلى حد لا بأس به إن لم يقم الابن بإكمال الدراسة؟ ولكن هذا الأمر يتطلب سنوات في الأحوال العادية والله تعالى أعلم ـ وكما أسلفت فهو مضيعة للوقت والمال والجهد.2ـ إذا استطاع الابن بتوفيق وفضل الله تعالى تأمين المال لسداد الدين الذي عليه في وقت قصير، فهل يجوز أن يذهب للجهاد دون إعلامهما ودون إكمال الدراسة؟.3ـ هل أصلاً إن كان الابن يريد ـ فرضاً ـ تأخير الخروج للجهاد أو حتى ـ فرضاً ـ أننا في زمن ليس فيه جهاد دفع وأمة الإسلام بأحسن حال، فهل يجب أن يطيع والديه في قضية مثل إكمال الدراسة وهي تعنيه وحده؟ لأنه قد يرغب في طريق آخر مثل دراسة العلم الشرعي ويرفض أو يعارض الوالدين، لأنهما يريدان إكمال الدراسة في مجاله الذي يختص بأحد العلوم الدنيوية، وهذا سيؤثر على الابن ولا فائدة لهما في منعه، بل على العكس؟.وجزاكم الله تعالى خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نرى أن الجهاد بالنفس ليس بفرض عين على كل حال، بل قد يكون كفائيا أحيانا، وقد يكون اشتغال البعض بالتعلم وتعليم الناس أنفع للإسلام والمسلمين وأعظم أجرًا، وقد قال الله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ {التوبة:122}.
قال الشيخ السعدي في تفسيره: يقول تعالى منبهًا لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ـ أي: جميعًا لقتال عدوهم، فإنه يحصل عليهم المشقة بذلك، وتفوت به كثير من المصالح الأخرى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ ـ أي: من البلدان، والقبائل، والأفخاذ طَائِفَةٌ تحصل بها الكفاية والمقصود لكان أولى، ثم نبه على أن في إقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم، فقال: لِيَتَفَقَّهُوا ـ أي: القاعدون فِي الدِّينِ: وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ـ أي: ليتعلموا العلم الشرعي، ويعلموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليعلموا غيرهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم, ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصًا الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلم علمًا، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه، فإن انتشار العلم عن العالم، من بركته وأجره، الذي ينمى له. اهـ.
وقد يصير الجهاد فرض عين على كل مسلم، وذلك في الحالتين الآتيتين:
الأولى: إذا هجم العدو على بقعة من بلاد المسلمين مهما صغرت، وجب على أهل تلك البقعة دفعه وإزالته، فإن لم يستطيعوا وجب على من بقربهم وهكذا، حتى يعمَّ الواجب جميع المسلمين.
الثانية: إذا أعلن الإمام الحاكم النفير العام لزمهم النفير معه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ {التوبة: 38}.
وقال صلى الله عليه وسلم: وإذا استنفرتم فانفروا. متفق عليه.
ويصير الجهاد فرض عين كذلك على من حضر المعركة، والتقى الصفان أو الجيشان، فإن هروب المسلم من ساحة المعركة حينئذ يعد من أكبر الكبائر، قال صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات.. وعدّ منها: التولي يوم الزحف. رواه البخاري.
ويشترط في وجوب الجهاد استئذان الولد من والديه، والدائن من مدينه، فيما إذا كان كفائيا، فقد استأذن رجل النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال عليه الصلاة والسلام: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد. رواه البخاري ومسلم.
وورد في أحاديث رواها البخاري وغيره أن الشهيد لا يغفر له الدين غير المقضي عنه، وقال الحافظ في فتح الباري: قال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين، لأن برهما فرض عين عليه، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن. انتهى.
وأما بخصوص حالتك: فإن هذا يعتمد على المعرفة التامة للواقع الذي تعيش فيه، ومدى حاجة المسلمين إلى تخصصك الدراسي، ومدى حاجة الأسرة إليك وهكذا، ولذا فإننا ننصحك بمراجعة أهل العلم في بلدك، فهم أقدر على تقدير وضعك وحالتك، وبيان الحكم الشرعي لك فيما يجب عليك فعله.
والله أعلم.