عنوان الفتوى : من شروط وجوب الجهاد: القدرة على مؤنته ونفقة من تلزم المجاهد نفقته مدة غيابه
إذا كان المسلم يريد الخروج للجهاد في سبيل الله تعالى، خروجاً لا رجعة فيه حتى يموت، أو يقتل – كما في الحديث الصحيح عن خير الناس منزلة – بإذن الله تعالى. فهل يجب من باب الإعداد أن يأخذ مالاً يكفيه كمؤنة للجهاد طوال فترة جلوسه في أرض الجهاد، التي قد تمتد لعشرات السنوات إن كتب الله تعالى له عمراً؟ وهل إذا كان متزوجاً يلزمه ترك المال الذي يكفي زوجته وأبناءه لتلك الفترة التي قد تطول لسنين، ولا أحد يعلمها إلا الله تعالى؟ ماذا لو كان أهل الجهاد يتكفلون بالمجاهدين، وحاجاتهم من مأوى، وطعام، وشراب – بل وحتى يتكفلون بأسرة المجاهد – ، هل أيضاً في هذه الحالة يلزم المجاهد أن يأخذ مؤنة الجهاد معه قبل هجرته؟ جزاكم الله تعالى خيراً.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن شروط وجوب الجهاد: القدرة على مؤنة الجهاد، ومنها نفقة من يلزمه نفقته مدة غيابه.
قال الإمام الشافعي في (الأم): إن كان سالم البدن، قويه، لا يجد أهبة الخروج، ونفقة من تلزمه نفقته إلى قدر ما يرى لمدته في غزوه، فهو ممن لا يجد ما ينفق، فليس له أن يتطوع بالخروج ويدع الفرض. اهـ.
وقال النووي في (الروضة): وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ جَمِيعِ ذَلِكَ فَاضِلا عَنْ نَفَقَةِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. اهـ.
وقال ابن قدامة في (المغني): أَمَّا وُجُودُ النَّفَقَة, فَيُشْتَرَطُ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } وَلأَنَّ الْجِهَادَ لا يُمْكِنُ إلا بِآلَةٍ, فَيُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا. فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ عَلَى مَسَافَةٍ لا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلاةُ, اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلزَّادِ، وَنَفَقَةِ عَائِلَتِهِ فِي مُدَّةِ غِيبَتِهِ, وَسِلاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ ... اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): لا يجب على الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه، فاضلا عن نفقة عياله؛ لقوله عز وجل: {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج } ... وإن بذل له الإمام ما يحتاج إليه من وسيلة نقل، وجب عليه أن يقبل ويجاهد؛ لأن ما يعطيه الإمام حق له، وإن بذل له غير الإمام لم يلزمه قبوله. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 185497.
ثم إننا ننبه الأخ السائل على أن حديث ابن عباس مرفوعا: خير الناس منزلة: رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل حتى يموت أو يقتل. رواه مالك وأحمد والترمذي والنسائي واللفظ له. ليس معناه أن المجاهد يبقى أبدا في غزوه، لا يرجع منه البتة، ويبقى دائما في سفر جهاده! وإنما معناه أن ذلك هو الغالب على حاله، وأنه يكثر الخروج للغزو والجهاد يلتمس الشهادة.
قال السندي في حاشيته على النسائي: كناية عن مداومة الجهاد. اهـ.
وقال الباجي في شرح الموطأ: قوله صلى الله عليه وسلم: "رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله" يريد ـ والله أعلم ـ أنه مواظب على ذلك، ووصفه بأنه آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله، بمعنى أنه لا يخلو في الأغلب من ذلك راكبا له، أو قائدا، هذا معظم أمره، ومقصوده من تصرفه، فوصف بذلك جميع أحواله، وإن لم يكن آخذا بعنان فرسه في كثير منها. اهـ.
ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة مرفوعا: من خير معاش الناس لهم: رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة، أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه. رواه مسلم.
قال السندي في حاشيته على ابن ماجه: "مُمْسِك بِعِنَانِ فَرَسه" أَيْ مُلَازِم لَهُ، كَثِير الرُّكُوب عَلَيْهِ لِلْحَرْبِ وَالْجِهَاد، وَلَيْسَ الْمُرَاد الدَّوَام عَلَى ظَهْر الْفَرَس إِذْ لَا بُدّ مِنْ النُّزُول. اهـ.
والله أعلم.