عنوان الفتوى : الجواب عن شبهة سبايا أوطاس
إن بعض الصفحات الملحدة، والنصرانية على مواقع التواصل تقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أباح لأصحابه اغتصاب سبايا حنين حتى المتزوجات منهن, فما الحق في هذا الأمر - جزاكم الله خيرًا -؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكثير من المغالطات التي تذكر في موضوع الرق، والسبايا تكون بسبب عدم إدراك طبيعة المجتمعات البشرية قديًما أيام وجود الرق، ثم لعدم العلم بأحكام الشريعة الإسلامية وهديها في معالجة قضية الرق، وقد سبق لنا التنبيه على هذا, وبيان الحكمة من عدم منع الإسلام مسألة السبي في الحروب، وذلك في الفتوى رقم: 184849, كما سبق لنا بيان ما وقع بخصوص سبايا أوطاس في الفتوى رقم: 154619, وراجع لمزيد الفائدة حول هذا الموضوع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 2372، 4341، 8720.
ومنها يعرف أن تسمية إباحة وطء السبايا بملك اليمين اغتصابًا، جهل بالتاريخ والواقع، وبضوابط الحكم الشرعي؛ وراجع في الفرق بين الوطء بملك اليمين والزنا، الفتوى رقم: 47344.
وننبه هنا على أن السبية إذا وطئها سيدها فحملت منه، فإنها تصبح أم ولد تعتق بموت سيدها, وإذا أراد أن يتزوجها فلا بد أن يعتقها قبل أن يتزوجها؛ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 3272.
كما ننبه على أن السبية الكافرة يحرم وطؤها بملك اليمين عند أكثر أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة؛ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 50902.
وهذا يدل على أن المسألة ليست مجرد شهوات تُنال، ولا أعراض تنتهك، فإن هذا لو كان انتهاكًا للعرض لكانت الكافرة أولى به من المسلمة، فتأمل!!
وأما مسألة وطء المتزوجات من السبايا، فله أحوال متعددة، تختلف بحسبها الأحكام.
قال ابن قدامة في المغني: إذا سبي المتزوج من الكفار، لم يخل من ثلاثة أحوال:
ـ أحدها: أن يسبى الزوجان معًا، فلا ينفسخ نكاحهما, وبهذا قال أبو حنيفة، والأوزاعي, وقال مالك، والثوري، والليث، والشافعي، وأبو ثور: ينفسخ نكاحهما؛ لقوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] والمحصنات المتزوجات إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي, قال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية في سبي أوطاس, وقال ابن عباس: إلا ذوات الأزواج من المسبيات, ولأنه استولى على محل حق الكافر، فزال ملكه، كما لو سباها وحدها, ولنا أن الرق معنى لا يمنع ابتداء النكاح، فلا يقطع استدامته، كالعتق، والآية نزلت في سبايا أوطاس، وكانوا أخذوا النساء دون أزواجهن، وعموم الآية مخصوص بالمملوكة المزوجة في دار الإسلام، فيخص منه محل النزاع بالقياس عليه.
ـ الحال الثاني: أن تسبى المرأة وحدها، فينفسخ النكاح، بلا خلاف علمناه, والآية دالة عليه، وقد روى أبو سعيد الخدري، قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس، ولهن أزواج في قومهن، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24]. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن. إلا أن أبا حنيفة قال: إذا سبيت المرأة وحدها، ثم سبي زوجها بعدها بيوم، لم ينفسخ النكاح.
ـ الحال الثالث: سبي الرجل وحده، فلا ينفسخ النكاح؛ لأنه لا نص فيه، ولا القياس يقتضيه، وقد سبى النبي صلى الله عليه وسلم سبعين من الكفار يوم بدر، فمنَّ على بعضهم، وفادى بعضًا، فلم يحكم عليهم بفسخ أنكحتهم .. وقال أبو الخطاب: إذا سبي أحد الزوجين انفسخ النكاح، ولم يفرق, وبه قال أبو حنيفة. اهـ.
والله أعلم.