عنوان الفتوى : هل تكفي صلة الأم بالهاتف مع إمكان اللقاء
صديقتي لم تر والدتها منذ 4 سنوات، وفي حياتها لم ترها إلا مرات قليلة ولوقت قليل، وقد اتصلت عليها منذ شهر، فهل يعتبر هذا من العقوق؟ وإذا كانت عدم زيارتها لأمها بسبب انفصال الأم عن الأب، فهل تعتبر عاقة؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فانقطاع صديقتك عن والدتها وعدم صلتها وزيارتها لها هذه الفترات الطويلة مع تمكنها من ذلك من العقوق، ولا عبرة بالأعذار المذكورة، فقد أوجب الله البر في حق الوالد الكافر الذي يدعو ولده إلى الكفر، بل يجاهده عليه، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14ـ 15}.
ونشأة الولد بعيداً عن أحد والديه لا يبيح له التقصير في حقه، وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 195147.
بل مهما قصر الأبوان في حق ولدهما، لا يسقط برهما، وراجعي الفتوى رقم: 32044.
ولا تكفي الصلة بالهاتف فقط مع إمكان اللقاء، وراجعي الفتوى رقم: 111307.
ما لم تكن هناك مشقة كسفر طويل مُكلِف، وراجعي الفتوى رقم: 93878.
قال النووي في الروضة:.. فَأَمَّا بِرُّهُمَا، فَهُوَ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمَا، وَفِعْلُ الْجَمِيلِ مَعَهُمَا، وَفِعْلُ مَا يَسُرُّهُمَا مِنَ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِحْسَانُ إِلَى صَدِيقِهِمَا، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ ـ وَأَمَّا الْعُقُوقُ: فَهُوَ كُلُّ مَا أَتَى بِهِ الْوَلَدُ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ، أَوْ نَحْوُهُ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَقِيلَ: تَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِي كُلِّ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، فَتَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِي الشُّبُهَاتِ، وَقَدْ حَكَى الْغَزَالِيُّ هَذَا فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، أَوْ أَكْثَرِهِمْ، وَأَمَّا صِلَةُ الرَّحِمِ: فَفِعْلُكَ مَعَ قَرِيبِكَ مَا تُعَدُّ بِهِ وَاصِلًا غَيْرَ مُنَافِرٍ وَمُقَاطِعٍ لَهُ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ تَارَةً بِالْمَالِ، وَتَارَةً بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، أَوْ خِدْمَتِهِ، أَوْ زِيَارَتِهِ، وَفِي حَقِّ الْغَائِبِ بِنَحْوِ هَذَا، وَبِالْمُكَاتَبَةِ وَإِرْسَالِ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. انتهى.
والله أعلم.