عنوان الفتوى : الأدلة على تفاوت لذة المؤمنين في نظرهم إلى ربهم في الجنة
هل تختلف لذة النظر إلى وجه الله تعالى بين أهل الجنة على حسب الأعمال والدرجات؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لم نقف في كلام الله عزوجل، ولا كلام رسُول اللّه صَلَى اللّه عليه وسَلّم، ولا كلام الصحابة، ولا التابعين المكرمين، على نصّ صريح الدلالة صحيح الإسناد على تفاوت لذة الناظرين من المؤمنين إلى ربهم الكريم في جنات النعيم، بل الأخبار غير الصحيحة كلما كانت أدل على ذلك كانت أشد ضعفا، ففي الترمذي من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعا إلى النّبيّ صَلَى اللّه عليه وسَلّم: وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إسناده ضعيف.
قال الإمام القرطبي في التذكرة: وهذا يدل على أن أهل الجنة في الرؤية مختلفو الحال.
وهكذا حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ في مستدرك الحاكم وغيره، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسلم: إِنَّ اللَّهَ لَيَتَجَلَّى لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَيَتَجَلَّى لأَبِي بَكْرٍ خَاصَّةً. قال العراقي في تخريج الإحياء: باطل.
ويدل على تفاوت لذة المؤمنين في نظرهم إلى ربهم الكريم في جنات النعيم أمور، منها:
1ـ أن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص وأهله فيه متفاوتون، ولذة رؤية الله تابعة لمعرفته سبحانه وتعالى والإيمان به، فكلما قوي قويت.
2ـ أن أهل الجنة متفاوتون في درجاتهم، وأعظم لذة ونعيم في الجنة رؤية الله تبارك وتعالى، فلو استووا في اللذة والنعيم الأعظم لاستووا في الجزاء والثواب، لأن التفاوت في الجزاء إنما يكون في الدرجات العليا من النعيم لا في أصل الجزاء والثواب.
3ـ أن الناس يحصدون في الآخرة ما زرعوه في دنياهم، ولقاء المحبوب تكون لذته بقدر الشوق إليه، فكلما كان المؤمن أشد شوقا لله تعالى في الدنيا كان لقاؤه به في الآخرة ألذّ وأهنأ، وكما رُوي عن الحسن البصري أنه قالَ: لَوْ عَلِمَ الْعَابِدُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَذَابَتْ نُفُوسُهُمْ فِي الدُّنْيَا شَوْقًا إلَيْهِ، وذلك قول الله تعالى: مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. {العنكبوت:5}
وقد سئل الشيخ العثيمين رحمه الله: هل هناك تفاوت بين المؤمنين في رؤية الله عز وجل؟ فأجاب: الظاهر: أنها حسب العمل والدرجة، لأنه لا يستوي أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ مع مؤمن ناقص الإيمان. انتهى من لقاء الباب المفتوح.
والله أعلم.