عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في الحكم بإسلام الكافر أو المرتد إذا صلى أو صام
رأيت شخصًا سب الدين قبل مدة، لكنني أيضًا رأيته بعدها يصلي، و
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أن سب الدين كفر بالله عز وجل، فإذا وقع من مسلم فقد ارتد عن الإسلام ـ والعياذ بالله ـ وراجع في ذلك الفتويين رقم: 133، ورقم: 48551.
وأما توبة الساب: فهي نافعة مقبولة في الآخرة إجماعا، وأما في الدنيا فهي صحيحة عند جمهور أهل العلم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 118361.
وأما مسألة الحكم بإسلام المرتد لكونه صلى، فهي محل خلاف بين أهل العلم، كالحكم بإسلام الكافر الأصلي إن صلى، والجمهور يصححون ذلك، ولكن اختلفوا، فمنهم من يفرق بين دار الكفر ودار الإسلام، ومنهم من يفرق بين صلاة الفرد وصلاة الجماعة، قال ابن قدامة في المغني: إذا صلى خلف من شك في إسلامه.. فصلاته صحيحة، ما لم يبن كفره.. لأن الظاهر من المصلين الإسلام، سيما إذا كان إماما.. فإن تبين بعد الصلاة أنه كان كافرا.. فعليه الإعادة على ما بينا.... فصل: قال أصحابنا: يحكم بإسلامه بالصلاة، سواء كان في دار الحرب أو في دار الإسلام، وسواء صلى جماعة أو فرادى، فإن أقام بعد ذلك على الإسلام فلا كلام، وإن لم يقم عليه فهو مرتد، يجري عليه أحكام المرتدين، وإن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكافرين، وقال أبو حنيفة: إن صلى جماعة أو منفردا في المسجد، كقولنا، وإن صلى فرادى في غير المسجد، لم يحكم بإسلامه، وقال بعض الشافعية: لا يحكم بإسلامه بحال، لأن الصلاة من فروع الإسلام، فلم يصر مسلما بفعلها، كالحج والصيام، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها ـ وقال بعضهم: إن صلى في دار الإسلام فليس بمسلم، لأنه قد يقصد الاستتار بالصلاة وإخفاء دينه، وإن صلى في دار الحرب فهو مسلم، لأنه لا تهمة في حقه، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: نهيت عن قتل المصلين، وقال: بيننا وبينهم الصلاة ـ فجعل الصلاة حدا بين الإسلام والكفر، فمن صلى فقد دخل في حد الإسلام، وقال في المملوك: فإذا صلى فهو أخوك ـ ولأنها عبادة تختص بالمسلمين، فالإتيان بها إسلام كالشهادتين، وأما الحج فإن الكفار كانوا يفعلونه، والصيام إمساك عن المفطرات وقد يفعله من ليس بصائم. اهـ.
هذا قاله في باب الإمامة وصلاة الجماعة.
وأما ما نقله السائل فذكره في كتاب المرتد، وقال قبله: إذا صلى الكافر حكم بإسلامه، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام أو صلى جماعة أو فرادى... وأما سائر الأركان، من الزكاة والصيام والحج، فلا يحكم بإسلامه به، فإن المشركين كانوا يحجون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى منعهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا يحج بعد العام مشرك ـ والزكاة صدقة، وهم يتصدقون، وقد فرض على نصارى بني تغلب من الزكاة مثلي ما يؤخذ من المسلمين، ولم يصيروا بذلك مسلمين، وأما الصيام فلكل أهل دين صيام، ولأن الصيام ليس بفعل، إنما هو إمساك عن أفعال مخصوصة في وقت مخصوص، وقد يتفق هذا من الكافر كاتفاقه من المسلم، ولا عبرة بنية الصيام، لأنها أمر باطن لا علم لنا به، بخلاف الصلاة، فإنها أفعال تتميز عن أفعال الكفار، ويختص بها أهل الإسلام ولا يثبت الإسلام حتى يأتي بصلاة يتميز بها عن صلاة الكفار، من استقبال قبلتنا، والركوع والسجود، ولا يحصل بمجرد القيام، لأنهم يقومون في صلاتهم، ولا فرق بين الأصلي والمرتد في هذا، لأن ما حصل به الإسلام في الأصلي، حصل به في حق المرتد كالشهادتين، فعلى هذا.. اهـ. ثم ذكر الكلام الذي نقله السائل.
وبهذا يتبين الفرق بين الصلاة وغيرها من العبادات، وأنه لا فرق بين الكافر الأصلي والمرتد.
وأما سؤال من سب الدين عن توبته من السب خاصة، فهذا إن كان يصلي إماما بالناس ويتكرر منه السب، فإنه يتأكد سؤاله عن ذلك للوقوف على حاله قبل الصلاة خلفه، قال ابن قدامة: إن كان الإمام ممن يسلم تارة ويرتد أخرى، لم يصل خلفه حتى يعلم على أي دين هو، فإن صلى خلفه وهو لم يعلم ما هو عليه نظرنا، فإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه وشك في ردته، فهو مسلم، وإن علم ردته وشك في إسلامه، لم تصح صلاته. اهـ.
خاصة وأن هناك من الأئمة من لا يحكم بالإسلام بمجرد الصلاة، كما سبقت الإشارة إليه، ولذلك قال الإمام الشافعي في الأم: لو كان رجل مسلم فارتد، ثم أمَّ وهو مرتد، لم تجز من خلفه صلاته حتى يظهر التوبة بالكلام قبل إمامتهم. اهـ.
والله أعلم.