عنوان الفتوى : هجر الوالدين وقطيعتهما من أقبح العقوق
أريد أن أساعد زوجي في موقف هو فيه ولا أعلم ماذا نفعل. فوالده يضع مكافأة المعاش في بنك ربوي بفائدة ثابتة منذ 7 سنوات، ومن حينها وزوجي يحاول إقناعه بحرمة هذه الفوائد، ولكنه يستند إلى فتاوى المفتين المصريين طنطاوى وعلي جمعة، ثم بعد كل هذه السنوات جاءت لأخته الطالبة في كلية الهندسة منحة أسبوعين لأمريكا للدراسة، فحاول إقناعهم بحرمة ذلك استنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر السفر من غير ذي محرم " لكنها سافرت وأحس هو بأن ذلك كله بسبب هذا المال الحرام من أموال الفوائد، فتوقف عن الكلام معهم أو زيارتهم لأنه في الفترة الأخيرة بدأ لا يحسن الكلام مع أبيه، وفي نيته أنه لن يذهب هناك مرة أخرى ما إلا لو كان أبوه وأمه في حاجة إليه حتى يتخلصوا من أموال الفوائد، ونقل المال إلى بنك آخر إسلامي، مع العلم أنه طلب مني أنا والأولاد عدم الحديث معهم في الهاتف أيضا وذلك حتى يكون الموقف واضحا، مع العلم أيضا بأنه على استعداد لدفع نفس المبلغ الذي سوف يحسبونه للفوائد لهم بعد إخراجه من مالهم وذلك بالرجوع إلى أنت ومالك لأبيك. مع العلم أيضا أن أباه رفض هذا الأسلوب ولا ينوي فعل أي شيء يريده زوجي وذلك لإحساسه أنه لن يتركه يفرض رأيه ومعتقداته عليه، وأن ما يقوله كان من 1400 سنة ولا يمكن تطبيقه الآن، وبدأ يغضب عليه هو وأمه ويقولون إنه بهذا هو الذي هجرهم وأن هذا ليس دين الإسلام الذي يتحدث هو باسمه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم الكبائر بعد الإشراك بالله عز وجل عقوق الوالدين، لما في الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين .. الحديث.
وقد عرف بعض العلماء العقوق بأنه (إيذاء الولد أحد أبويه بما لو فعله مع غير أبويه كان محرما من جملة الصغائر فيكون في حق الأبوين كبيرة ) ومثلوا لذلك بما (لو قدم عليه أحدهما ولم يقم إليه أو قطب في وجهه، فإن هذا وإن لم يكن في حق الغير معصية فهو عقوق في حق الأبوين ). وراجعي الفتوى رقم: 73463 .
ومن باب أولى لو كان العقوق بالهجر والقطيعة فذلك من أسوئه وأشده إثما وجرما. فانصحي زوجك ليعامل أبويه بشيء من الحكمة واللطف، وأن يعلم أن لهما حقاً عليه لا يسقط ولو كانا مشركين نعيذهما بالله من ذلك. قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان: 14-15}
وانظري الفتوى رقم 59381
فلا يحل له أن يهجر والديه، ويمتنع عن كلامهما، ويجب عليه التوبة إلى الله من هذا الذنب العظيم بالندم عليه، والإقلاع عنه فورا، والمبادرة إلى صلتهما بالكلام وغيره، وليظل على نصحه لأبيه بالحكمة والموعظة الحسنة لعله يؤثر فيه فيكف عن إيداعه لماله بالبنك الربوي، وليذكر له ما بيناه في الفتوى رقم 30198 وما أحيل عليه خلالها حول مسألة من أفتى بجواز ذلك .
مع تنبيهه على أن العامي لو قلد من يثق في علمه وورعه لا عن اتباع هوى قد يكون له في ذلك عذر يدرأ عنه الإثم ويكون إثمه على من أفتاه ، ويباح له الانتفاع بما أخذه من الفوائد جاهلا بحرمتها متبعا لمن أفتاه بجوازها إذا تاب وأقلع عنها لأن الله يقول: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة:275}، وانظري الفتوى رقم 15282.
والله أعلم.