عنوان الفتوى : معنى حديث: ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم
بالنسبة للمعاهدة التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة عند قدومه إليها، فما معنى بند: أن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعـد:
فإن الذمة بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق، وسمي أهلُ الذمة أهلَ ذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم، ومنه الحديث: يسعى بذمتهم أدناهم.
أي إذا أعطى أحد الجيش العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين وليس لهم أن يخفروه ولا أن ينقضوا عليه عهده، وقد أجاز عمر أمان عبد على جميع الجيش، ومنه الحديث: ذمة المسلمين واحدة. كذا في النهاية لابن الأثير.
وفي مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض: ويسعى بذمتهم أدناهم ـ وذمة الله وذمة رسوله وذمتك أي ضمان الله وضمان رسوله وضمانك. اهـ.
فمعنى ذمة الله عهد الله الذي يعطيه أحد المسلمين، فهو لازم لجميع المسلمين إن كان المعطي بالغا، فأي مسلم أجار، أو أمن حربيا مضى ذلك على الجميع، كما يدل له حديث الصحيحين: ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
وقد بوب على هذا البخاري في صحيحه فقال: باب: ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: إن كل من أمن أحدا من الحربيين جاز أمانه على جميع المسلمين دنيا كان، أو شريفا، حرا كان، أو عبدا، رجلا، أو امرأة، وليس لهم أن يخفروه. اهـ.
وجاء في عون المعبود: يسعى بذمتهم ـ أي بأمانهم: أدناهم ـ أي عددا وهو الواحد، أو منزلة، قال في شرح السنة: أي أن واحدا من المسلمين إذا أمن كافرا حرم على عامة المسلمين دمه وإن كان هذا المجير أدناهم، مثل أن يكون عبدا، أو امرأة، أو عسيفا تابعا، أو نحو ذلك فلا يخفر ذمته. ويجير عليهم أقصاهم ـ قال الخطابي: معناه أن بعض المسلمين وإن كان قاصي الدار إذا عقد للكافر عقدا لم يكن لأحد منهم أن ينقضه وإن كان أقرب دارا من المعقود له. اهـ.
وهذا من محاسن الإسلام، وقد روى عبد الرزاق ثنا معمر عن عاصم بن سليمان عن فضيل بن يزيد الرقاشي قال: شهدت قرية من قرى فارس يقال لها شاهرتا فحاصرناها شهرا حتى إذا كنا ذات يوم وطمعنا أن نصبحهم انصرفنا عنهم عند المقيل فتخلف عبد منا فاستأمنوه فكتب إليهم أمانا ثم رمى به إليهم، فلما رجعنا إليهم خرجوا إلينا في ثيابهم ووضعوا أسلحتهم فقلنا: ما شأنكم؟ فقالوا: أمنتمونا وأخرجوا إليهم السهم فيها كتاب بأمانهم، فقلنا: هذا عبد لا يقدر على شيء، قالوا: لا ندري عبدكم من حركم فقد خرجنا بأمان، فكتبنا إلى عمر فكتب أن العبد المسلم من المسلمين، وأمانه أمانهم. ورواه ابن أبي شيبة وزاد فأجاز عمر أمانه. اهـ.
والله أعلم.