عنوان الفتوى : السماح لغير المسلم بالدعوة لدينه في بلاد المسلمين.. رؤية شرعية
معلوم أن الإسلام هو الدين الحق الذي يتوافق مع الفطرة السليمة، ولذلك دخلت فيه شعوب وأمم بأكملها في مشارق الأرض ومغاربها أفواجا، بل وتبنت الدعوة إليه والجهاد في سبيله وفي سبيل الدعوة إليه، وقد دارت مناقشة قصيرة بيني وبين أحد الملحدين في إحدى الدول الغربية ـ وقد زعم أنه كان مسلما ثم ارتد عياذا بالله ـ وكان مما ينكره في الإسلام حد الردة، فكان مما ذكرته له أن ذلك ليس فيه تدخلا في حرية الشخص في اعتقاد ما يشاء، وأن هذا الحد هو فقط لمنع الدعوة إلى الكفر والإلحاد؛ لأن إعلان ذلك والجهر به فيه نوع من الدعوة إليه، وهذا ما لا يقبل في الدولة التي تحكم بالشريعة، لكنه أنكر ذلك أيضا واستشكله، وقد قرأت فتوى في موقعكم القيم المبارك فيها أن العلماء اختلفوا في حد الردة بالنسبة لمن ولد مسلما ثم بعد أن بلغ زعم أنه كان مكرها، وسؤالي هو هل يجوز لولي أمر المسلمين في الدولة التي تحكم بشرع الله أن يسمح لغير المسلمين كالنصارى وغيرهم بالدعوة إلى دينهم في ديار الإسلام؟ وهل هناك نص قطعي الثبوت والدلالة بتحريم ذلك؟ أم أن الأمر يخضع لولي أمر المسلمين وما يراه من المصلحة والمفسدة في ذلك؟ وهذا واقع مشاهد في بعض البلاد الإسلامية وربما أكثرها لكني أردت أن أعرف حكم الشرع فيه. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يتعلق بحد الردة وحكمته وعلى من يقام، يمكن الرجوع فيه إلى الفتوى رقم: 170755، وفيها بيان موقف شريعة الإسلام من الدعوة لحرية الاعتقاد.
وأما السماح لغير المسلمين بالدعوة إلى دينهم في ديار الإسلام، فهذا لا يجوز بحال، ولا ينبغي أن يختلف في مثل هذا الحكم، وقد كان من شروط العهد العمري التي اشترطها أهل الذمة على أنفسهم، وأقرهم عليها عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قولهم: "ولا نرغِّب في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً". وراجع في نص هذه الشروط الفتوى رقم: 7497.
ومثل هذا لا يحتاج إلى اشتراط ؛ لوضوحه وبداهته، ونص القرآن عليه، فإن خالفوا هذا الشرط انتقض عهدهم، قال ابن القيم في (أحكام أهل الذمة): هذا من أولى الأشياء أن ينتقض العهد به، فإنه حراب الله ورسوله باللسان، وقد يكون أعظم من الحراب باليد، كما أن الدعوة إلى الله ورسوله جهاد بالقلب وباللسان، وقد يكون أفضل من الجهاد باليد، ولما كانت الدعوة إلى الباطل مستلزمة - ولا بد - للطعن في الحق، كان دعاؤهم إلى دينهم وترغيبهم فيه طعنا في دين الإسلام، وقد قال تعالى: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر} [التوبة: 12] ولا ريب أن الطعن في الدين أعظم من الطعن بالرمح والسيف، فأولى ما انتقض به العهد الطعن في الدين ولو لم يكن مشروطا عليهم، فالشرط ما زاده إلا تأكيدا وقوة. اهـ.
والله أعلم.