عنوان الفتوى : هل ينعقد النذر إن قال سوف أتصدق بكذا أو قال إن انتقلت إلى كذا فعلي التصدق بكذا
هل إذا نوى الانسان-أي تكلم مثلا- قال: سوف أخرج من راتبي كذا. فهل هذا يعتبر نذرا؟ وهل يجوز للإنسان أن يتراجع عن نية قد نواها لأنه يشك أحيانا أن إبليس سيستغل هذا الباب فيثقل ويوسوس على الناس. و
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول المسلم: "سوف أخرج من راتبي كذا". ليس صريحا في النذر، فلا يعتبر نذرا إلا إن نواه صاحبه، وذلك أن النذر ينعقد بالكناية مع النية على الراجح من أقوال أهل العلم.
قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: الصيغة يشترط فيها لفظ يشعر بالتزام فلا ينعقد بالنية ... وينبغي كما قال شيخنا انعقاده بكناية الناطق مع النية. قال الأذرعي: وهو أولى بالانعقاد بها مع البيع. اهـ.
وقال الرملي في نهاية المحتاج: وخرج نحو: إن شفى الله مريضي عمرت مسجد كذا أو دار زيد. فيكون لغوا؛ لأنه وعد عار عن الالتزام، نعم إن نوى به الالتزام لم يبعد انعقاده. اهـ.
وقال النووي في المجموع: لو قال ابتداء : مالي صدقة أو في سبيل الله ففيه أوجه ( أحدها ) وهو الأصح عند الغزالي, وبه قطع القاضي حسين أنه لغو، لأنه لم يأت بصيغة التزام. ( والثاني ) يلزمه التصدق به, كما لو قال علي أن أتصدق بمالي. ( والثالث ) يصير ماله بهذا اللفظ صدقة كما لو قال: جعلت هذه الشاة أضحية. وقال المتولي: إن كان المفهوم من هذا اللفظ في عرفهم معنى النذر أو نواه فهو كما لو قال: لله علي أن أتصدق بمالي أو أنفقه في سبيل الله وإلا فلغو. اهـ.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: ركن النذر هو الصيغة الدالة عليه وهو قوله: لله عز شأنه علي كذا، أو علي كذا، أو هذا هدي، أو صدقة، أو مالي صدقة، أو ما أملك صدقة، ونحو ذلك. اهـ.
وقال ابن مفلح في الفروع: باب النذر والوعد والعهد، وهو التزامه لله تعالى شيئا بقوله لا بنية مجردة, وظاهره لا تعتبر صيغة خاصة, يؤيده ما يأتي في رواية ابن منصور. وظاهر كلام جماعة أو الأكثر: تعتبر لله علي , أو علي كذا., ويأتي كلام ابن عقيل: إلا مع دلالة حال ... قال في المستوعب أو غيره : نحو إن شفى الله مريضي , أو سلم مالي , أو إن طلعت الشمس , فلله علي كذا , أو فعلت كذا , لدلالة الحال, ذكره ابن عقيل وغيره, نحو تصدقت بكذا. ونص عليه أحمد في: إن قدم فلان تصدقت بكذا. وكذا قال شيخنا فيمن قال: إن قدم فلان أصوم كذا. هذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة, لا أعلم فيه نزاعا, ومن قال ليس بنذر قد أخطأ. اهـ.
وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 43335، 103264، 106076، 102449، 125791، 110675، 106076.
وأما مجرد النية دون تلفظ بشيء فليست نذرا واجب الوفاء، وإن كان الأفضل أن يأتي المرء بما نواه من طاعة.
جاء في حاشية البجيرمي: يتأكد في حقه الإتيان بما نواه، ومثل النذر غيره من سائر القرب فتتأكد بنيتها. اهـ.
وكذلك من شك في وقوع النذر لا يلزم فعله؛ لأن الأصل براءة الذمة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 156529.
وكلمة (عليَّ) في قول السائل: إذا انتقلت من الرياض إلى جدة علي أن أتصدق بجزء من راتبي. تفيد الالتزام، فهو نذر منعقد يجب الوفاء به، بل إنه يجب الوفاء به ولو خلا من كلمة (علي).
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: إذا قال: إن سلمني الله تصدقت، أو لأتصدقن، فهو وعد وعده الله فعليه أن يفي به، وإلا دخل في قوله: فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون. [التوبة: 77]. فوعد العبد ربه نذر يجب عليه أن يفي له به؛ فإنه جعله جزاء وشكرا له على نعمته عليه، فجرى مجرى عقود المعاوضات لا عقود التبرعات، وهو أولى باللزوم من أن يقول ابتداء: لله علي كذا. فإن هذا التزام منه لنفسه أن يفعل ذلك، والأول تعليق بشرط وقد وجد، فيجب فعل المشروط عنده؛ لالتزامه له بوعده؛ فإن الالتزام تارة يكون بصريح الإيجاب، وتارة يكون بالوعد، وتارة يكون بالشروع، كشروعه في الجهاد والحج والعمرة، والالتزام بالوعد آكد من الالتزام بالشروع، وآكد من الالتزام بصريح الإيجاب؛ فإن الله سبحانه ذم من خالف ما التزمه له بالوعد، وعاقبه بالنفاق في قلبه، ومدح من وفى بما نذره له، وأمر بإتمام ما شرع فيه له من الحج والعمرة، فجاء الالتزام بالوعد آكد الأقسام الثلاثة، وإخلافه يعقب النفاق في القلب. اهـ.
وأما السؤال عما إذا كان ذلك من نذر المعاوضة أو نذر اللجاج، فجوابه أنه من نذر المعاوضة، وليس له علاقة بنذر اللجاج، وقد سبق لنا بيان أنواع النذر في الفتويين: 112564423.
وقال الخرشي في شرح مختصر خليل: النذر المعلق بمحجوب آت كإن شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا، أو إن رزقني الله كذا فعلي المشي إلى مكة، أو غيره من القرب، فهل هو مكروه إما لكونه أتى به على سبيل المعاوضة لا القربة، أو خوف توهم الجاهل منعه من حصول المقدر. أو مباح ـ تردد. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 106240.
والله أعلم .