عنوان الفتوى : سكوت المسلم عن الكفر لا يلزم منه كفره
ما معنى الإقرار بالكفر في حالة ما إذا سمع شخصا يسب الله؟ وهل مجرد جلوسه يعني الإقرار به؟ فأنا أريد أن أعرف ما هو المقصود ـ بالضبط ـ بالإقرار؟ والآن أريد أن أعرف كيف أتأكد أنني كفرت أم لا؟ وما المقياس الشرعي الذي من خلاله أعرف هل كفرت أم لا؟ وهل يجب علي الغسل والتوبة، لأنني مريض بالوسواس القهري في هذه الأشياء؟ وهل لو شككت في الكفر أبقى مسلما؟ وإذا شككت في الكفر فهل ذلك مني أم من الوسواس وأبقى مسلما؟ وإذا شككت في اعتقاد شيء هل يكفر أم لا ولم أعرف هل أعتقده أم لا ـ مع أنني حريص كل الحرص على عدم الكفر وأن أظل داخل دائرة الإيمان والإسلام ـ أكفر؟ فأنا بسبب الوسواس والاكتئاب الذي حصل لي منه أصبحت عند سماع أحد يسب الله أو الدين أشعر بالفرح، وليس حبا في الكفر ـ والله وأنا أكره الكفر كرها شديدا ـ ولا أدري لماذا؟ لكن هذا إحساسي أنني أنا الوحيد المتورط في ذلك، وأريد أن يكون الناس مثلي ظنا مني أنني أكفر بذلك، فهل أنا كافر بذلك أم لا؟ وهل يجب علي تجديد النكاح؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وأن يكفيك شر نفسك وشر الشيطان وشركه.
ثم اعلم ـ أخانا الكريم ـ أن مجرد السكوت على المنكر لا يعد إقرارا لصاحبه هكذا بإطلاق، حتى ولو أثِم الساكت، فإنه لا يكون له حكم فاعل المنكر من كل وجه، جاء في الموسوعة الفقهية: السكوت: ترك الكلام. والسكوت عن الأمر: عدم الإنكار ـ والصلة بينه وبين التقرير هي أن السكوت عند الفقهاء قد يكون تقريرا وقد لا يكون.
ومن القواعد الفقهية: لا ينسب لساكت قول.
قال الزركشي: السكوت بمجرده ينزل منزلة التصريح بالنطق في حق من تجب له العصمة، ولهذا كان تقريره صلى الله عليه وسلم من شرعه، وكان الإجماع السكوتي حجة عند كثيرين، أما غير المعصوم فالأصل أنه لا ينزل منزلة نطقه إلا إذا قامت قرائن تدل على الرضا فينزل منزلة النطق. هـ.
وقد سبق أن بينا أن مجرد حضور مجلس من المجالس المذكورة في قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ. { النساء: 140 }.
لا يخرج العبد من الملة هكذا بإطلاق، فإن هذا إنما يكون مع الرضا بقولهم وإقرارهم عليه، فالمثلية المذكورة في الآية لها درجات متفاوتة. وراجع تفصيل ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 131228 130930 43048.
وعلى ذلك، فإقرار الكفر في حال سماع سب الله سبحانه وتعالى، إن أريد به مجرد السكوت عن الإنكار، فهذا ليس كفرا مخرجا من الملة، وإن كان صاحبه آثما لتركه الإنكار مع القدرة.
وأما إن أريد به الرضا بذلك، فهذا كفر بلا شك، ولا يخفى أن حال السائل الكريم ليس كذلك، فهو يقول: إنني حريص كل الحرص على عدم الكفر وأن أظل داخل دائرة الإيمان والإسلام، وأنا أكره الكفر كرها شديدا.
ولذلك، فإننا نؤكد على أن ما يشكو منه السائل لا يعدو الوسوسة، وهذا لا يستغرب مع وجود الوسواس القهري، ولذلك نقول للسائل: هون عليك، واعلم أن الكفر لا يحصل بالوسوسة ما دام صاحبها كارهاً لها، بل إن كره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان. فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. هـ.
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 7950، 12300، 137147.
فعليك ـ أخي الكريم ـ أن تطرح عن نفسك هذه الوساوس ولا يستجرينك الشيطان، وأكثر من الدعاء واللجوء إلى الله تعالى ليصرفها عنك، وأكثر من ذكر الله وأشغل نفسك بما ينفعك في أمر دينك ودنياك.
وقد سبق لنا بيان سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى منها الفتاوى التالية أرقامها: 3086، 60628، 2081، 78372.
كما سبق أن بينا ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، وأن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول إسلامه بالشك، وأنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 721، 106396، 53835.
والله أعلم.