عنوان الفتوى : ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه. ومسائل أخرى
سماحة الشيخ إني أحبكم في الله.. أما بعد: نحن نعيش في مجتمع يتكون من أربع فئات فئة تقارب الـ 80% من المجتمع والفئات الثلاث الباقية تكون حوالي الـ 20% الباقية :الفئة الأولى: وهي أغلب المجتمع (80%) من المجتمع يتحاكمون إلى سوالف البادية ويتباركون بالأشجار والأحجار ويخافون القبور والأولياء ويعتقدون في (الخرز) بأنه يشفي مرضاهم ويذهبون للدجالين والعرافين ويتشاءمون من بعض الطيور ويستهزئون بالمسلمين ويحاربون أبناءهم الذين يلتزمون بدين الله. الفئة الثانية: ها فئة التزمت بدين الله ولكنها ترى أن الأصل في الفئة الأولى الإسلام وتعذرهم بجهلهم وتصلي خلف من تعرفه في هذا المجتمع وتأكل ذبح من لا تعرفه ولا تكفر إلا من تعرفه بعينه وترى أن الفئتين الثالثة والرابعة خوارج الفئة الثالثة: هي فئة التزمت بدين الله ولكنها ترى أن الفئة الأولى كافرة والفئتين الثانية والرابعة مخطئتين وليست كافرتين ولا تصلي في هذا المجتمع إلا خلف من تعرف عقيدته الفئة الرابعة: هي فئة التزمت بدين الله ولكنها ترى أن جميع الفئات السابقة كافرة فهي تكفر الفئة الثانية لأنهم لا يكفرون الكافر وتكفر الفئة الثالثة لأنها لا تكفر الفئة الثانية التي هي في نظر الفئة الرابعة كافرة، أرجو أن تفتونا أي هؤلاء الناس على حق وأيهم المخطئ؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن ما ذكر في السؤال عن الفئة الأولى من التحاكم إلى سوالف البادية والتبرك بالأحجار والاعتقاد في الخرز أنه يشفي ونحو ذلك، لا شك أن هذه الأفعال والاعتقادات كفر أكبر تخرج صاحبها من الملة إذا أصر عليها بعد إقامة الحجة عليه.
لكن ينبغي أن يُعلم أن الحكم على العمل أنه كفر أكبر لا يعني بالضرورة أن فاعله كافر، فالحكم على الفعل شيء، والحكم على الفاعل شيء آخر، وليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، فإذا كان المسلم نشأ في بلاد يكثر فيها الجهل بالتوحيد، ولم يوجد فيها علماء يبينون للناس دينهم فإن هذا قد يعذر بجهله فيما يقع فيه من الشرك لعدم قيام الحجة عليه وبلوغ الدعوة الصحيحة إليه، وقد قال الله تعالى آمراً نبيه أن يقول: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ {الأنعام:19}، وقال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء:15}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر؛ كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر وأمثال ذلك، فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك. انتهى، وانظر الفتوى رقم: 721 فإنها مهمة جداً في بيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه.
وبهذا تعلم أن تكفير المسلم بمجرد وقوعه في الكفر قبل إقامة الحجة عليه وبيان الحق من الباطل، أمر غير صحيح وتسرع في الحكم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. رواه البخاري ومسلم.
والواجب على هؤلاء الشباب أن تجتمع كلمتهم على الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وإخراج الناس من الجهل إلى نور التوحيد، بدل أن يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً، ولا شك أيضاً أن الفئة الرابعة التي تكفر من عداها، مخطئة بكل حال، وحالهم يشبه حال الخوارج الذين يكفرون من عداهم، وقولهم: من لم يكفر الكافر فهو كافر، حق أريد به باطل، والمقصود الصحيح بهذا الكلام أن من لم يكفر الكفار كاليهود والنصارى والبوذيين فهو كافر، كما في الفتوى رقم: 12718، وليس المقصود من لم يكفر المسلم الذي وقع في أعمال كفرية ولم تقم عليه الحجة فهذا يحرم تكفيره قبل بيان الحجة، ولا يكفره قبل ذلك إلا جاهل، كما أن الفئة الثالثة أخطأت في التكفير قبل بيان الحجة وإقامتها، وأحسنت حيث لم يكفروا إخوانهم أصحاب الفئة الثانية والذين هم المصيبون في نظرنا.
والواجب على الجميع السعي في طلب العلم والدعوة إلى الله عز وجل بعلم وإخلاص وصبر، فهذا أنفع لهم من التكفير الذي لا ينضبط بضوابط الشرع، ولربما تكلم فيه من لم يعرف أركان الإسلام والإيمان، وانظر الفتوى رقم: 30988، والفتوى رقم: 35564 فإنها مهمة.
والله أعلم.